أخبار الثورة السورية المباركة - اخوانكم في ليبيا معكم يا رجال ويا حرائر سوريا



فلم - كشف اللثام عن المنافق المجرم الصوفي البوطي عدو أهل الشام
فلم - كشف اللثام عن المجرم الصوفي البوطي عدو أهل الشام



دعم الثورة الجزائرية ضد النظام الجزائري الدموي العميل لاسرائيل

Asharis .. The Other Face

أشاعرة يدنسون ويدوسون على المصاحف ويكتبون الاسماء الحسنى بالغائط ! استماع ۞ الامام الاشعري وشيخه وتلاميذه مجسمة ۞ شيخ أشعري كذاب رماه الله تعالى بالخبث في العضو فمات !! ماذا فعل ؟ ۞ دفاع القرطبي عن ابن عبدالبر من اعتداء جهلة الأشعرية ودليل تجسيم الامام الاشعري !!! ۞ د. عبد الرحمن دمشقية: الامام الاشعري يثبت الحد!
السواد الاعظم... ... أم الكذب الأعظم؟
أشاعرة اليوم (الشعبوريون) أشر قولا من اليهود والنصارى !
روى أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري (صاحب صحيح البخاري) في كتابه خلق أفعال العباد ج1ص30 باب ذكر أهل العلم للمعطلة وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ: " الْجَهْمِيَّةُ أَشَرُّ قَوْلًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَدِ اجْتَمَعَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَأَهْلُ الْأَدْيَانِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ، وَقَالُوا هُمْ: لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ شَيْءٌ "

فرقة الأحباش .. الوجه الآخر

الاحباش المرتزقة .. الوجه الآخر
وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب
ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون : آل عمران - 75

الصوفية .. الوجه الآخر - وكذبة الصوفية الحقة

واجهة التصوف إدّعاء الإحسان .. والوجه الآخر عبادة الأموات !
موقع الصوفية - صوفية حضرموت - الحوار مع الصوفية - شرار الخلق - التصوف العالم المجهول
۞ الاحسان الصوفي ۞ روى الشعراني : إذا صحبت فاصحب الصوفية فإن للقبيح عندهم وجوهاً من المعاذير وليس للحُسن عندهم كبير موقع يعظمونك به ۞ يقول الصوفي المغربي أبو لبابة حسين عن الصوفية : "فهم لا يترددون بالاستشهاد حتى بالموضوع من الحديث إذا كان ذلك يخدم قضيتهم" ا.هـ موقف متصوفة افريقيا وزهادها من الاحتلال العبيدي
Sufism .. The Other Face
The Outward is claiming Ihsan .. The inward is Graveworship (deadworship) !
Cleanse the houses of Allah .. from the corpses of Sufis

أسرار كتاب الغزالي إحياء علوم الدين - للشيخ نظام اليعقوبي استماع
رحلتي مع جماعة التبليغ - للصوفي السابق الشيخ :عباس الشرقاوي Angry face
ست محاضرات خطيرة! في كشف أسلحة الصوفية السرية في استغفال المسلمين علمائهم وعامتهم (اضغط على السهمين المتعاكسين للانتقال بين المحاضرات)
دينُ الصوفيةِ أصبحَ خَرِقاً - الدكتور الصوفي :فرحان المحيسن الصالح يطلقها مدوية !
خطبة مؤثرة جدا ! من يرد النجاة فليصدق ويستمع الى الخطبة

30 نوفمبر، 2010

كيف تحرج أشعريا وحبشيا قبوريا !

بسم الله الرحمن الرحيم

اختبار بسيط للقطعية العقلية اليقينية في الصفات عند الاشعري:
16- تحدي - اختبار : يدعي الاشاعرة الجهمية أنهم يؤمنون ببدعة الادلة القطعية اليقينية (وهي في الحقيقة أقيسة عقلية للخالق على المخلوق) فإن كان زعمهم يقيني قطعي حقا فهل يستطيع أشعري قبوري جهمي أن يكفر بالله إذا كان على العرش بذاته (كما هي عقيدة أهل السنة قاطبة والمسلمون عامة واهل الكتاب * بل حتى الاشاعرة الكلابية المتقدمون ) ؟؟!!
هذا فضلا عن أن اختلافهم في الصفات وكلٌ منهم يدعي أن القطعية !!
فضلا - مرة أخرى- عن توبة بعض أعلامهم من عقيدتهم رغم أنهم يدعون القطعية !! فهل يتوب أحد من عقيدة قطعية !!!

ولتحرج الأشعري وتفضحه إذا كان ليس متيقنا مما يقينيته بأن يقول التالي:
اللهم إن كنت فوق العرش بذاتك فإني كافر بك وحرم عليّ الجنة و أحشرني في قاع جهنم مع فرعون وهامان وقارون وأبي لهب خالدا مخلدا في النار !!!
فإذا فعلها فقد ضحى بحياته في الاخرة فهو غبي ويستحق ذلك لعناده فهو مثل فرعون .. وإن تهرب فاسخر منه ومن أدلته القطعية فقد ظهر كذبه ونفاقه (ابتسامة). هكذا تطحن الاشعري وتضربه على قفاه !!!

المصدر: ملاحظات عند مناقشة الاشاعرة الجهمية والقبوريين


* أشاعرة اليوم أشر قولا من اليهود والنصارى !
ذكر أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري (صاحب صحيح البخاري) في كتابه خلق أفعال العباد ج1ص30 باب ذكر أهل العلم للمعطلة وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ: " الْجَهْمِيَّةُ أَشَرُّ قَوْلًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَدِ اجْتَمَعَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَأَهْلُ الْأَدْيَانِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ، وَقَالُوا هُمْ: لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ شَيْءٌ "

29 نوفمبر، 2010

الصوفية في سؤال و جواب

بسم الله
تعرف على الصوفية عن طريق سؤال و جواب
للكاتب: أبو عبد البر طارق دامي
 
بسم الله والحمد لله , وصلى الله على رسوله وعلى آله و صحبه

كثر الحديث على التصوف بين مادح ومدافع عنه وبين ذام , فتلبس الأمر على كثير من الشباب لدى أحببت أن أجمع هذا الموضوع حتى لا ينخدع احد بالصوفية, وجعلته على شكل سؤال رمزت له ب س ,و جواب رمزت له ب ج, وحاولت الاختصار قدر المستطاع حتى لا أمل القارئ.

اقتباس

قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس :إذا نظروا في باب الاعتقاد تفلسفوا وإذا نظروا في باب التزهد ترهبنوا
قال شيخ الإسلام في الفتاوى: فأخذوا مخ الفلسفة، وكسوه لحاء الشريعة‏.

س:كيف تناظر صوفيا؟
ج:لا تناقش معه الفروع , لكن ابدأ بالأصول لهدمها فمثلا ناقش معه مصادر التلقي عند الصوفية و قارنها بمصادر أهل السنة و الجماعة تجد اختلافا كبيرا, وهكذا تناقش كل من خالف الحق.

س:لماذا ننتقد الصوفية و نترك اليهود و النصارى و غيرهم من الملحدين؟
ج: الصوفية أمرهم يخفى على كثير من الناس فهم يلبسون ثياب الزهد ليخفوا به عقيدة فاسدة, فهم يهدمون حصوننا من الداخل, كما أنهم يدعون الناس إلى عبادة القبور و الاستغاثة بها و هذا شرك أكبر.

س:لماذا يلتبس أمر الصوفية على كثير من الناس؟
ج:لأنهم يستعملون التقية !
روى الكلاباذي عن الجنيد أنه قال للشبلي :
نحن حبّرنا هذا العلم تحبيرا , ثم خبأناه في السراديب , فجئت أنت , فأظهرته على رؤوس الملأ .
فقال : أنا أقول وأنا أسمع , فهل في الجارين غيري
و نقل الشعراني عن سيده محمد الحنفي أنه قال :
وهاهنا كلام لو أبديناه لكم لخرجتم مجانين لكن نطويه عمن ليس من أهله

س:كيف بدأ التصوف ؟
ج:كان مبدأ التصوف من أناس من البصرة أرادوا التقرب إلى الله فجاء زهدهم مخالفا لزهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

س:هل مدح شيخ الإسلام ابن تيمية التصوف؟
ج:شيخ الإسلام لم يمدح التصوف , و إنما وصف أناسا من البصرة من الزهاد و قال إن في كلامهم ما يقبل ويرد.
فقد قال في الفتاوى: من جعل طريق أحد من العلماء و الفقهاء أو طريق أحد العباد أو النساك خيرا من طريق الصحابة فهو مخطئ ضال مبتدع.

س: مما أشق اسم التصوف؟
ج: اختلف الصوفية وكل من بحث في التصوف عن اشتقاقه , إلى عدة أقوال حتى قال الشبلي : هذا الإسم الذي أطلق عليهم اختلف في أصله وفي مصدره.

س: ما هو التصوف؟
ج : الاختلاف في التصوف أكتر من الاختلاف في اشتقاقه , وقد ذكروا له أكثر من عشرين قولا , مما يدل على أنه من عند غير الله.

س: ما الفرق بين الزهد و التصوف؟
ج:قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: فالتصوف مذهب معروف يزيد على الزهد ويدل على الفرق بينهما أن الزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف.

س: فهل يوجد تصوف سني؟
ج:لا يخلو التصوف أن يكون من الإسلام فالواجب التعبير بالألفاظ التي جاءت بها الشريعة مثل الإسلام و الإيمان و الإحسان, وإما أن يكون دخيلا على الإسلام وهو الصحيح كما سأبينه.

س:بماذا تأثر التصوف؟
ج:تأثر التصوف بعدة ديانات نذكر منها:
*الديانات الهندية مثل البوذية و البراهمة: أخذوا منها التقشف, و السياحة في الأرض و العري و الخلوة , وإتباع شيخ عارف.
*الفلسفة اليونانية: أخذوا منها الكشف و الذوق و الوجد وتنقية النفس لتصل إلى الملأ الأعلى.
*ديانات الفرس: أخذوا منها علم الباطن وتعظيم الولي لأن الفرس يعظمون ملوكهم.
*اليهودية: أخذوا منها البناء على القبور و زخرفتها والذكر بالمزامير و الخرافة مثل وؤيو الله و الملائكة.
*النصرانية: أخذوا منها التبتل , و الخلوة و الامتناع عن الزواج و لبس الخرقة و اتخذ الزوايا و التكايا و و الخانقاوات.
*الروافض: أخذوا منهم عصمة الولي و الأخذ عن الله مباشرة و علم الباطن و الظاهر و العام والخاص يعني أن الله يخص بعض الأولياء بالعلم اللدني

س:كم عدد الطرق الصوفية؟
ج:لا أستطيع حصرها لأنه كلما أدعى شخص أنه ولي أو أنه خاتم الأولياء اتخذ طريقة و زعم أن طريقته هي التي توصل إلى الجنة, و دعى إليها مريديه, و من هذه الطرق التيجانية و البوتشيشية و النقشبندية و القادرية , و الخلوتية و الملامتية.........

س:ما أفضل هذه الطرق؟
ج:كل هذه الطرق تلتقي في ابن عربي الحاتمي صاحب وحدة الوجود, التي تقطر كتبه بالكفر, فهو شيخهم الأكبر و كبريتهم الأحمر, فهم يترضون عنه و يدعون الشباب لقراءة كتبه.

س:ما موقف العلماء من ابن عربي؟
ج:العلماء اتجاه ابن عربي ثلاثة أصناف:
*من قرأ كتبه وعرف ما فيها من الكفر فهؤلاء كفروه ,وللمزيد أنظر كتابي برهان الدين البقاعي مصرع التصوف و تنبيه الغبي إلى كفر ابن عربي
*من قرأ كتبه وعرف ما فيها وهو يدافع عنها , فهذا يدافع عن الكفر.
*من لم يقرأ كتبه وهو يدافع عنه فهذا قد يكون معذورا.

س:هل نتأول كلام ابن عربي:
*ج: قال الشيخ القونوي : إنما يؤول كلام المعصومين

س: ما هي مصادر التلقي عند الصوفية:
ج :*العلم اللدني
*لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة
*لقاء الخضر
*الهواتف والمنامات.
*الأحاديث الموضوعة , فإذا سمعت حديثا موضوعا ابحث في كتب الصوفية تجده.
*كلامهم للملائكة.
*حدثني قلبي عن ربي فهو أعلى سند عندهم ولا أدري ماذا يسميه المحدثون , لأن القلب لم يأت ذكره في كتب الجرح و التعديل. فهم يزعمون تكليم الله قال الشعراني عن الجنيد أنا منذ ثلاثين سنة أكلم الله.

س:إلى من تنتهي سلاسل الصوفية؟
ج:أغلب السلاسل الصوفية تنتهي إلى علي رضي الله عنه ( أما كرم الله وجهه , و أمير المؤمنين فهي من الألفاظ التي تسربت لبعض أهل السنة من الرافضة).

س:و لماذا علي بن أبي طالب ؟
هذا من تسربات الرافضة للصوفية ,و لأعتقادهم فيه اختصاصه بعلم لم يختص به أحد من الصحابة.

س :ما هو الذكر عند الصوفية؟
ج:الصوفية يأخذون ذكرهم من شيوخهم , فكل طريقة لها ذكر مخصوص , و لا يصح للمريد أن يذكر ذكرا حتى يأذن له الشيخ.

س:هل الزوايا و التكايا و الخانقاوات أمر بها الإسلام
ج:أمر الله بالمساجد أن ترفع و يذكر فيها اسمه أما الزاوايا و غيرها فهي مخالفة للدين من ستة أوجه ذكرها ابن الجوزي في تلبيس إبليس

س :كيف تنال الولاية عند الصوفية؟
ج :تنال الولاية عند الصوفية بالجوع و العري وقلة النوم و تعذيب النفس و رياضات أخرى

س:لماذا لجأ الصوفية لعلم الباطن؟
ج:لأنهم لم يجدوا لطرقهم دليلا من الكتاب و السنة , فلجئوا لعلم الباطن , لأن المبتدع يعتقد ثم يستدل , و لتأويل أقوالهم الكفرية التي نطق بها كبراؤهم.

س:هل يعلم الصوفية الغيب؟
ج: لم يكتف بعض الصوفية بمعرفة الغيب بل منهم من ادعى معرفة الأشياء الخمسة التي استأثر الله بعلمها:
ونقلوا عن الشبلي أنه قال:
لو دبت نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء ولم أشعر بها أو لم أعلم بها لقلت أنه ممكور بي .
وقد سْل عبد العزيز الدباغ عن الخمس الأشياء التي استأثر الله بعلمها هل يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم فأجاب.
كيف يخفى أمر الخمس عليه والواحد من أهل التصوف من أمته الشريفة لا يمكنه التصرف إلا بمعرفة هذه الخمس

س:هل يفرق الصوفية بين النبوة و الولاية؟
ج:لا يفرق الصوفية بينهما بل ادعى بعض الغلاة تفضيل الولي على النبي:
مقام النبوة في برزخ  * * * فويق الرسول ودون الولي

س :ماذا يعتقد المريدون في أوليائهم ؟
*العصمة: قال أبو الحسن الشاذلي إن من خواص القطب إمداد الله له بالرحمة والعصمة والخلافة والنيابة.
*وجوب اتخاذ شيخ عارف: قال الشعراني : ومن ادعى الطريق بلا شيخ كان شيخه إبليس
*رفع التكليف على أوليائهم

س :كيف يرهب الصوفية مريدهم؟
ج: سأكتفي بنقل قصة واحدة:
كان لبعض الأشياخ مجلس يفسر فيه القرآن العظيم فأبدله بمجلس قوال , فقال مريد بقلبه : كيف يبدل مجلس القرآن بمجلس قوال ؟
فناداه الشيخ : يا فلان , من قال لشيخه : لم , لم يفلح . فقال المريد : التوبة.

س :هل يعتقد الصوفية التناسخ؟
ج: ذكره الشعراني عن صوفي أنه ظهر لأعدائه في هيئة أسد عظيم .
وكذلك ذكر المنوفي في جمهرته صوفيا كان يظهر في مظهر السباع والفيلة

س:ما هي مراتب الصوفية؟
*الغوث وهو موضع نظر الله من العالم في كل زمان و مكان وسمي بذلك لأنه يغيث الناس.
*الإمامان أحدهما يمين الغوث و الآخر عن يساره
*الأوتاد الأربعة.
*الأقطاب السبعة
*الأبدال الأربعين
*النجباء الثلاث مائة
وقد يختلف هذا الترتيب من صوفي لآخر.

المراجع :
تلبيس إبليس ابن الجوزي
نظرات في التصوف على ضوء الكتاب و السنة أحمد حفو
التصوف المنشأ و المصدر إحسان إلهي ظهير
فتاوى شيخ الإسلام
إبطال القول بوحدة الوجود علي القاري
كتب الصوفية

28 نوفمبر، 2010

النقض النقلي العقلي في جواز دعاء الأموات الصوفي بوجوب التواتر

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا مقال - في طور التجهيز و متجدد - كان اعداده يجول في نفسي منذ أمد ولم أجد له عزيمة ووقت والان قد حان وقته و بإذن الله وعونه وتوفيقه سيتم فيه نقض عقيدة دعاء الاموات بطريقة نقلية عقلية مع التركيز على الجانب العقلي نصحا لله ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم. وهو مبني على تعليق سابق من العبد الضعيف لأحد الاخوة.

التعليق السابق بتصرف يسير:

قال الباحث عن الحقيقة :
(أشكل عليّ ما قاله السيوطي وذلك في الجزء الثاني من [ حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ] ( ص 14 ) بعد أن نقل عن ابن الجوزي : أن الحاكم العبيدي وصل به ظلمه إلى أن يدعي الربوبية فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون : يا واحد يا أحد يا محيي يا مميت ، قال - أي السيوطي - بعد أن ذكر ذلك ما نصه : ( قلت : كان في عصرنا أمير يقال له : ازدمر الطويل ، اعتقاده قريب من اعتقاد الحاكم هذا ، وكان يروم أن يتولى المملكة ، فلو قدر الله ذلك فعل نحو ما فعله الحاكم ، وقد أطلعني على ما في ضميره وطلب مني أن أكون معه على هذا الاعتقاد في الباطن إلى أن يوول إلى السلطنة ، فيقوم في الخلق بالسيف حتى يوافقوه على اعتقاده ، فضقت بذلك ذرعاً و ما زلت أتضرع إلى الله تعالى في هلاكه ، وأن لا يوليه على المسلمين ، وأستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم وأسأل فيه أرباب الأحوال حتى قتله الله ، فلله الحمد على ذلك . ))

 ثم أضاف في رد على استفسار لي قائلا :
 ((والشكر موصولاً لك أخي أبو نسيبة على تأمينك على دعائي ، ووالله إني باحث عن الحق والحقيقة ولكن بالدليل والبرهان لا غير ، فالكل يدّعيها ولا نقول لهم إلا بقول الله ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ، علماً - ولله الحمد والمنة - أنه تبين لي بطلان ما عليه كثير من الصوفية من العقائد والأعمال بالبرهان والدليل فأنا لن أعتقد أو أتعبد الله إلا بالدليل والبرهان ، وأشكركم مرة أخرى على حسن اجاباتكم وسعة صدركم على ما أطرحه من اشكالات واستفسارات فأنا أبحث عن الحق. وفقكم الله وجعلكم من الدالين على الخير والحق ))

وعلق العبد الضعيف :
بسم الله

أسأل الله تعالى لي ولكم الهداية والرشاد . لم يأمرنا الله تعالى بأن نفتش في قلوب العباد . ولكن نعاملهم بما يظهرون لنا ( وهذا ينطبق على ما يتفوه به "أولياء" الصوفية !! وما يزبرونه في كتبهم )

لو سألت صوفيا هل تبحث عن الحق؟ سيقول نعم ومن سيقول أبحث عن الباطل أو لا أبغي الحق ألا من استكبر. فصِدقُ الدعوى بين العبد وربه. وبما أنك تبحث عن الحق إن شاء الله وأزيد فأقول وبصدق :

أسألك أسئلة يفهمها العامي قبل العالم و المتعالم . فهدفي تناول الموضوع بطريقة سهلة ومن زاوية أخرى تناسب الجميع ان شاء الله بدون لغة المصطلحات .

يعلم الكفار قبل المسلمين عظم حب المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم (انتبه أخي وفقك الله الى معنى -عظم- حب المسلمين وخاصة الصحابة لرسوله) حتى وصل الامر بهم الى المسارعة بالتبرك بنخامته صلى الله عليه وسلم

هل يعقل أن يصلنا التواتر بالتبرك به في حياته و (بعد موته) ولا يصل لنا (تواتر) الصحابة في الاستغاثة به (بعد موته) ؟؟؟

هل تعلم كم عدد الصحابة ؟ من صنف في الصحابة يكاد يصل الى عشرة ألاف صحابي لذا من المؤكد أنهم أضعاف هذا العدد .

عشرة ألاف صحابي لم يستغيثوا برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته رغم مصيبة موته. هل تعلم أن اعظم مصيبة حلت بالامة هي موت رسولها ورغم هذه الفاجعة لم يستغيثوا به عندما مات؟ لا بل حار الصحابة في دفن نبيهم !! هل تعلم ما معنى أن يبقى نبيٌ دون دفن رغم ان الجنازة من السنة أن يُسارَع في دفنها !!!
لماذا لم يأتوا اليه صلى الله عليه وسلم وهو لا يزال فوق الارض ويستطيعون ليس مجرد مخاطبته بل ولمس يده ورأسه وتقبيله والتبرك به وهو ميت ((ولم يفعلووووووووووووووووا )) .. الا يقول لهم ادفنوني هنا او هناك باي وسيلة . ألا يسألونه ؟

الصلاة عليه (صلى الله عليه وسلم ) وصلت بالتواتر تجدها مبسوطة في كتب الفقه فكيف لا تصل الينا الاستغاثة به بعد موته؟؟؟؟

لو كان ذلك صحيحا لكانت الاستغاثة مثل (استغفر الله .. استغفر الله) .. (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) !!!

هل وصلتنا استغاثة فاطمة رضي الله عنها بعد موته وهي أحب الناس اليه (ولا اعتقد أنك أو أنا نحبه كما كانت تحبه ابنته فاطمة رضي الله عنها التي كانت تقبله - فهل قبلته أنت أو أنا ؟؟) من كان يراه في محياه أشد شوقا له وحبا له ممن لم يفعل فلو كانت الاستغاثة به جائزة (وليس فقط مستحبة) لسارع هذا الذي قبله فكان أول من يستغيث به .

الوقائع التي حدث للصحابة رضي الله عنهم التي تدفعهم دفعا لكي يستغيثوا به لا تحصى ورغم ذلك (وصلت الينا الوقائع) ولم (يصل الينا استغاثتهم به )

ومنها امامة ابي بكر
و النقاش حول حرب المرتدين
و الفتن في عهد عثمان
والفتن التي في عهد علي و عائشة ومعاوية
ومقتل الحسين
بصراحة معذرة : الفتن يصعب حصرها .. هل نسوا أن يذهبوا الى قبره و ينقل لنا (تنازعهم عند القبر !!! ) علي يشكو الرسول خروج عائشة وهي تشكوه علي و معاوية يطلب الثأر لعثمان .

يا أخي لو كانت الاستغاثة شرعا لكان القبر ليلا نهارا في عهد الصحابة كالمحكمة قضايا و شكاوى و لتواتر مبيت الناس حول القبر لا يخرجون حتى تقضى حوائجهم بل لأقيم حرس عليه و لعمل عمر بن الخطاب (رضي الله عن كل الصحابة الذين ذكرتهم) له نظاما كما نظم شئون الخلافة فعمل لها البريد !! وعمل بيت المال .
فكان مثلا : بيت القبر لاستقبال وتنظيم الشكاوى بسبب كثرة من يأتي للشكوى وطلب الرزق والشفاء من المرض و الاستغفار من المعاصي و ووووووو

إن عظم محبة الصحابة والتابعين وتابعيهم وائمة الهدى ممن سار على سبيل الصحابة تفرض تواتر الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم والا كان خلف هذه الامة احب الى نبيهم (واعظم اتباعا)
وكانت أيات الاتباع منقوضة وهذا بيّن البطلان لكل ذي عقل .

هذا الامر العظيم يلزم منه التواتر كالصلوات الخمس وكالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم . فكيف يغيب هذا الامر (الاستغاثة بعد الممات) فلا نجده في كتاب الله صريحا ولا في البخاري و لا مسلم ولا منقولا عن ابي بكر وعمر وعثمان وعلي و معاوية و فاطمة وعائشة و بقية الامهات والصحابة ال 10 ألاف . لا نريد حديثا ضعيفا او موضوعا قام بوضعه الوضاعون يرحمك الله.

نحن نتكلم عن أمر لو صح لقارب تواتره لا اله الا الله محمدا رسول الله ... ان لازم تصويب هذا الامر هو الطعن في رسول الله وصحابته فهل نقف وقفة باحث عن الحق لا عن خيط العنكبوت .. نحن أمرنا أن نستمسك ب(حبلٍ) لا ب(خيطِ) عنكبوتٍ !!!

مثل هذا الامر لن يتفرد به صحابي عن 10 ألاف صحابي آخر اعظم منه منزلة عند الله

وكما قال تعالى: ( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) فهل الاستغاثة بالاموات ( هذا الامر الجلل ) محكم ونسوه ؟؟؟

اعتقد أن الامر واضح ومشكلتنا أننا نفكر في أقوال فلان وفلان غير معصوم وننسى ما كان عليه الصحابة ولا نراهم بصورة أوسع صورة (غير ضيقة يرسمها حديث ضعيف أو موضوع أو حديث غير صريح)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة الراوي: - المحدث: ابن تيمية - المصدر: مجموع الفتاوى - الصفحة أو الرقم: 35/19 خلاصة الدرجة: صحيح

وقال ايضا:
ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك . وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة ، قال من هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2641 خلاصة الدرجة: حسن

فما لم يكن عليه الصحابة فليس بدين أنما من سنن اليهود والنصارى

فعلق الاخ الفاضل الباحث عن الحقيقة - وفقنا الله وإياه - قائلا :
((والله وتالله وبالله ما أظني قرأت أجمل من هذا الكلام عن موضوع الإستغاثة بالأموات ، فجزاك الله بخير ما جزى رجلاً دالاً أمته على الخير ، ولو سمحت لي يا أخي الحبيب أبو نسيبة باستفسار : هل يمكن أن يكون خفي هذا الأمر على السيوطي ؟ وهو قائل الكلام الجميل الذي نقله عنه أخونا الأثري الفراتي ، ثم هل نعتبر السيوطي صرف عبادة من العبادات لغير الله وهي الإستغاثة بمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله ؟ " ولا تنسى يا أخي أنني باحث بصدق عن الحق " .))
وتم اجابته في الرابط والله اعلم والحمد لله رب العالمين

فائدة: لربما لم ترها عينك من قبل ( ياهل ترى ماحال المتوسلين بغير الله بعد رؤيتها )
ملحق : صور ضوئية من التعليق السابق في منتدى صوفية حضرموت
مواضيع للفائدة :
السيوطي وحج القبور
رسالة السيوطي الصوفي في جواز وجود الولي بعدّة أماكن في وقتٍ واحد، بل ويزعم خادمه أن السيوطي خطا خطوات فانتقل من مصر إلى مكة !!
جلال الدين السيوطي واراؤه الاعتقادية عرض نقد على ضوء عقيدة اهل السنة والجماعة - الرساله العلمية الجزء الثاني
جلال الدين السيوطي واراؤه الاعتقادية عرض نقد على ضوء عقيدة اهل السنة والجماعة - الرساله العلمية الجزء الاول

مواد للاضافة لاحقا : عقيدة الصحابة : كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ؟
والشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لم يسألا الاموات :
عن عابس بن ربيعة رحمه الله ، قال : رأيت عمر يقبل الحجر ، ويقول : إني لأعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ". أخرجه الجماعة (14). وزاد مسلم والنسائي في إحداهما : ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا " ولم يقل :" رأيت رسول الله يقبلك " ومعنى ( حفيا ): أي شديد السرور في غاية اللطف والاعتناء وبارا به .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأموات فالميت لا ينفع ولا يضر ولم يُرَ عمر بن الخطاب يسأل الاموات حاجة. فعقيدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضد سؤال الأموات . وهذا الدليل مقتبس من رد شبهة قبورية هي حجة عليهم لا لهم !
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر وقد ألقى فيها القتلى من صناديد قريش، فقال لهم: " أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا... "؟ قال عمر : يا رسول الله ! كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ؟ قال: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة ... " الحديث.
وقد استدل بهذا الحديث عامة القبورية على سماع الأموات * ليتوسلوا بذلك إلى جواز الاستغاثة بهم عند الكربات *( الجزء رقم : 2)- -ص 879-
الجواب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة بأن هذا كان من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان خاصا به صلى الله عليه وسلم .
وقد أحياهم الله تعالى ليسمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، توبيخا لهم، وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما؛ فلا دلالة في هذا الحديث على أن جميع الموتى يسمعون؛ فلا يقاس عليهم غيرهم.
قلت: ويؤيد ذلك قول قتادة الراوي عن أنس رضي الله عنه :
(أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما ).( الجزء رقم : 2)- -ص 880-
الحاصل: أن هذا الحديث خارج عن موضوع النزاع ، لأنه في الأحياء لا في الأموات.
ولأنه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الخارقة للعادات* لا في سائر الأموات ولا سائر الأحوال والأوقات* فبطل استدلال القبورية به على ثبوت سماع الأموات* تمهيدا لجواز الاستغاثة بهم عند إلمام الملمات* أقول: حديث القليب هذا من أعظم الحجج الساطعة والبراهين القاطعة على نفي سماع الأموات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كلم هؤلاء الكفار الموتى الملقون في القليب-قليب بدر- استغرب ذلك عمر بن الخطاب جدّا وقال أمام بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:
( يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ؟؟؟).
وفي لفظ : ( يا رسول الله ، كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟؟؟).
وفي لفظ : ( يا رسول الله ، كيف يسمعوا ؟؟؟ وأنى يجيبوا ؟؟؟ وقد جيفوا...).
فدل ذلك على أن عقيدة الصحابة رضي الله عنهم : أن الأموات لا يسمعون، ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على استغراب عمر ، واستبعاده.
فلو كان حيا اليوم لأنكر عمر بن الخطاب على من يسأل الاموات فقد كان باب موصدا ضد البدعة والشرك والباطل عموما.
فروايات عمر رضي الله عنه عن (( الحجر وجثث الاموات )) : تثبت أن سؤال الاموات شئ عجيب ليس من عقيدتهم بل مستنكر فرواية عمر في الحجر (رغم أن تقبيله من الشعائر) كافية لاثبات أن سؤال الاموات منكر عظيم.
رضي الله عن عمر وأبي بكر والصحابة أجمعين.
أرجو أن لا يبغض الصوفية عمر بن الخطاب بعد الآن فهو الفاروق رضي الله عنه. وقد بقى على هذه العقيدة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته فلم يذهب الي قبره بل توسل بعمه العباس الحي الذي لم يمت. لأن دعاء الأموات ولو كانوا من الانبياء ليس من دين الاسلام ولله الحمد.

روى البخاري في الصحيح :
4539 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
صَارَتْ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَبَإٍ وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الْكَلَاعِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ

هل يجوز دعاء هؤلاء الصالحين أم يحرم ؟
ثم التطبيق العملي

أبُو الحسن الأشعري - بقلم: الشيخ حماد بن محمد الأنصاري

بسم الله

أبُو الحسن الأشعري
بقلم: الشيخ حماد بن محمد الأنصاري
المدرس في كلية الشريعة بالجامعة


الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


وبعد: لما كان أكثر الناس في الأقطار الإسلامية ينتسب عقيدة إلى أبي الحسن الأشعري، ومع ذلك لا يعرف شيئاً عن أبي الحسن الأشعري، ولا عن عقيدته التي استقر عليها أمره أخيراً واستحق بها أن يكون من الأئمة المقتدى بهم، أحببنا أن نفيد أولئك عن حقائق هذا الإمام المجهول عند كثير ممن ينتسب إليه وينتحل عقيدته، حسب ما تتبعنا من المراجع المعتبرة.
وقبل كل شيء نتحف القارئ بنبذة قليلة من ترجمة الأشعري فأقول وبالله أستعين:


التعريف بالإمام:
هو علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، ولد سنة ستين ومائتين من الهجرة النبوية، ترجمه أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي في كتابه ( تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي موسى الأشعري ) والخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ) وابن خلكان في وفيات الأعيان والذهبي في ( تاريخ الإسلام ) وابن كثير في ( البداية والنهاية ) و( طبقات الشافعية ) والتاج السبكي في ( طبقات الشافعية الكبرى ) وابن فرحون المالكي في ( الديباج المذهب في أعيان أهل المذهب ) ومرتضى الزبيدي في ( إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ) وابن العماد الحنبلي في ( شذرات الذهب في أعيان من ذهب ) وغيرهم.


دخل هذا الإمام بغداد وأخذ الحديث عن الحافظ زكريا بن يحيى الساجي أحد أئمة الحديث والفقه  وعن أبي خليفة الجمحي وسهل بن سرح ومحمد بن يعقوب المقري وعبد الرحمن بن خلف البصريين، وروى عنهم كثيراً في تفسيره ( المختزن ) وأخذ علم الكلام عن شيخه زوج أمه أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة.
ولما تبحر في كلام الاعتزال وبلغ فيه الغاية كان يورد الأسئلة على أستاذه في الدرس ولا يجد فيها جواباً شافياً فتحير في ذلك.


فحكي عنه أنه قال: وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد فقمت وصليت ركعتين وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم ونمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " عليك بسنتي " فانتبهت!! وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهرياً.


قال أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي المتوفى سنة 463ه‍ في الجزء الحادي عشر من تاريخه المشهور صفحة 346: " أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة، والجهمية، والخوارج وسائر أصناف المبتدعة.
إلى أن قال: وكانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله تعالى الأشعري فحجزهم في أقماع السمسم".
قال ابن فرحون في الديباج: "أثنى على أبي الحسن الأشعري أبو محمد بن أبي زيد القيرواني وغيره من أئمة المسلمين" اه‍.


وقال ابن العماد الحنبلي في الشذرات الجزء الثاني صفحة 303:
ومما بيض به أبو الحسن الأشعري وجوه أهل السنة النبوية وسود به رايات أهل الاعتزال والجهمية، فأبان به وجه الحق الأبلج، ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج، مناظرته مع شيخه الجبائي التي بها قصم ظهر كل مبتدع مراء وهي أعني المناظرة كما قال ابن خلكان: "سأل أبو الحسن الأشعري أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة، كان أحدهم مؤمناً براً تقياً والثاني كان كافراً فاسقاً شقياً، والثالث كان صغيراً، فماتوا فكيف حالهم؟ فقال الجبائي: أما الزاهد ففي الدرجات، وأما الكافر ففي الدركات، وأما الصغير فمن أهل السلامة، فقال الأشعري: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟
فقال الجبائي: لا ‍‍!! لأنه يقال له: أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بطاعته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعري فإن قال: ذلك التقصير ليس مني، فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة، فقال الجبائي: يقول البارئ جل وعلا: كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم فراعيت مصلحتك، فقال الأشعري: فلو قال الأخ الأكبر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلمَ راعيت مصلحته دوني فانقطع الجبائي"!!
وقال ابن العماد "وفي هذه المناظرة دلالة على أن الله تعالى خص من شاء برحمته واختص آخر بعذابه"اه‍ .


وقال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: " أبو الحسن الأشعري كبير أهل السنة بعد الإمام أحمد بن حنبل وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد رحمه الله واحدة لا شك في ذلك ولا ارتياب وبه صرح الأشعري في تصانيفه وذكره غير ما مرة من أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل، هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه" اه‍.


وفضائل أبي الحسن الأشعري ومناقبه أكثر من أن يمكن حصرها في هذه العجالة، ومن وقف على تواليفه بعد توبته من الاعتزال رأى أن الله تعالى قد أمده بمواد توفيقه، وأقامه لنصرة الحق والذب عن طريقه.
 

وقد تنازع فيه أهل المذاهب، فالمالكي يدعي أنه مالكي، والشافعي يزعم أنه شافعي، والحنفي كذلك. قال ابن عساكر: لقيت الشيخ الفاضل رافعاً الحمال الفقيه، فذكر لي عن شيوخه أن أبا الحسن الأشعري كان مالكياً فنسب من تعلق اليوم بمذهب أهل السنة وتفقه في معرفة أصول الدين من سائر المذاهب إلى الأشعري لكثرة تواليفه وكثرة قراءة الناس لها.
قال ابن فورك: توفي أبو الحسن الأشعري سنة 324ه‍. اه‍.


وبعد ذكر هذه النتفة من ترجمة هذا الإمام نذكر فيما يلي إثبات رجوعه عن الاعتزال وإثبات نسبة ( الإبانة ) إليه ننقل ذلك من المراجع الموثوق بها، فنقول وبالله التوفيق.


رجوع أبي الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى عقيدة السلف:
قال الحافظ مؤرخ الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي المتوفى سنة 571ه‍ في كتابه ( التبيين ):
قال أبو بكر إسماعيل بن أبي محمد بن إسحاق الأزدي القيرواني المعروف بابن عزرة: إن أبا الحسن الأشعري كان معتزلياً وأنه أقام على مذهب الاعتزال أربعين سنة، وكان لهم إماماً ثم غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يوماً، فبعد ذلك خرج إلى الجامع بالبصرة فصعد المنبر بعد صلاة الجمعة، وقال: معاشر الناس إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي حق على باطل ولا باطل على حق، فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني إلى ما أودعته في كتبي هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده، كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب إلى الناس، فمنها كتاب اللمع وغيره من تواليفه الآتي ذكر بعضها قريباً إن شاء الله: فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة أخذوا بما فيها وانتحلوه واعتقدوا تقدمه واتخذوه إماما حتى نسب مذهبهم إليه فصار عند المعتزلة ككتابيٍ أسلم وأظهر عوار ما تركه فهو أعدى الخلق إلى أهل الذمة.
وكذلك أبو الحسن الأشعري أعدى الخلق إلى المعتزلة، فهم يشنعون عليه وينسبون إليه الأباطيل وليس طول مقام أبي الحسن الأشعري على مذهب المعتزلة، مما يفضي به إلى انحطاط المنزلة، بل يقضي له في معرفة الأصول بعلو المرتبة ويدل عند ذوي البصائر له على سمو المنقبة، لأن من رجع عن مذهب كان بعواره أخبر وعلى رد شبه أهله وكشف تمويهاتهم أقدر، وبتبيين ما يلبسون به لمن يهتدي باستبصاره أبصر، فاستراحة من يعيره بذلك كاستراحة مناظر هارون بن موسى الأعور.
وقصته أن هارون الأعور كان يهودياً فأسلم وحسن إسلامه وحفظ القرآن وضبطه وحفظ النحو، وناظره إنسان يوماً في مسألة فغلبه هارون فلم يدر المغلوب ما يصنع فقال له: أنت كنت يهودياً فأسلمت فقال له هارون فبئس ما صنعت فغلبه هارون في هذا. واتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن الأشعري كان إماماً من أئمة أصحاب الحديث، ومذهبه مذهب أصحاب الحديث، تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة، وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة - سيفاً مسلولاً ومن طعن فيه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة، ولم يكن أبو الحسن الأشعري أول متكلم بلسان أهل السنة وإنما جرى على سنن غيره وعلى نصرة مذهب معروف، فزاده حجة وبياناً، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهباً انفرد به وليس له في المذهب أكثر من بسطه وشرحه كغيره من الأئمة.


وقال أبو بكر بن فورك: رجع أبو الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى مذهب أهل السنة سنة 300ه‍.
وممن قال من العلماء برجوع الأشعري عن الاعتزال أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان الشافعي المتوفى سنة 681ه‍ قال في ( وفيات الأعيان ) الجزء الثاني صفحة 446: كان أبو الحسن الأشعري معتزلياً ثم تاب.


ومنهم عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 774ه‍.
قال في البداية والنهاية الجزء الحادي عشر صفحة 187:" إن الأشعري كان معتزلياً فتاب منه بالبصرة فوق المنبر ثم أظهر فضائح المعتزلة وقبائحهم ".


ومنهم شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي الشافعي الشهير بالذهبي المتوفى سنة 748 قال في كتابه ( العلو للعلي الغفار ):
"كان أبو الحسن أولاً معتزلياً أخذ عن أبي علي الجبائي ثم نابذه ورد عليه وصار متكلماً للسنة، ووافق أئمة الحديث، فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن ولزموها - لأحسنوا ولكنهم خاضوا كخوض حكماء الأوائل في الأشياء ومشوا خلف المنطق فلا قوة إلا بالله".


وممن قال برجوعه تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي الشافعي المتوفى سنة 771ه‍ قال في طبقات الشافعية الكبرى، الجزء الثاني صفحة 246: أقام أبو الحسن على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إماماً فلما أراده الله لنصرة دينه وشرح صدره لاتباع الحق غاب عن الناس في بيته، وذكر كلام ابن عساكر المتقدم بحروفه.


ومنهم برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي المتوفى سنة 799ه‍ قال في كتابه ( الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ) صفحة 193: كان أبو الحسن الأشعري في ابتداء أمره معتزلياً، ثم رجع إلى هذا المذهب الحق، ومذهب أهل السنة فكثر التعجب منه وسئل عن ذلك فأخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فأمره بالرجوع إلى الحق ونصره، فكان ذلك والحمد لله تعالى.


ومنهم السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى الحنفي المتوفى سنة 1145ه‍ قال في كتابه ( إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ) الجزء الثاني صفحة 3. قال: أبو الحسن الأشعري أخذ علم الكلام عن الشيخ أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة. ثن فارقه لمنام رآه، ورجع عن الاعتزال، وأظهر ذلك إظهاراً. فصعد منبر البصرة يوم الجمعة ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن، وإن الله لا يرى بالدار الآخرة بالأبصار وإن العباد يخلقون أفعالهم.
وها أنا تائب من الاعتزال معتقداً الرد على المعتزلة، ثم شرع في الرد عليهم والتصنيف على خلافهم.
ثم قال: قال ابن كثير: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال:
أولها حال الانعزال التي رجع عنها لا محالة.
والحال الثاني إثبات الصفات العقلية السبعة، وهي الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام. وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك .
والحال الثالث إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً.


وبهذه النقول عن هؤلاء الأعلام ثبت ثبوتاً لا شك فيه ولا مرية أن أبا الحسن الأشعري استقر أمره أخيراً بعد أن كان معتزلياً على عقيدة السلف التي جاء بها القرآن الكريم وسنة النبي عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم.


كتاب الإبانة:
وبعد إتمام هذا الحديث حول رجوعه عن الاعتزال نقرأ بحثا ثانيا في صحة نسبة ( الإبانة في أصول الديانة ) إليه رداً على بعض الأغمار الذين زعموا أنها مدسوسة عليه - وهذا هو بيت القصيد فنقول: وبالله نستعين.


قال الحافظ بن عساكر في كتابه ( تبيين كذب المفتري ) ذكر ابن حزم الظاهري أن لأبي الحسن الأشعري خمسة وخمسين تصنيفاً، ثم قال: ترك ابن حزم من عدد مصنفاته أكثر من مقدار النصف، وبعد ذلك سردها فقال:
منها كتاب اللمع، وكتاب أظهر فيه عوار المعتزلة سمّاه بكتاب ( كشف الأسرار وهتك الأسرار).
ومنها تفسيره المختزن، وهو خمسمائة مجلد  - على ما يزعم - لم يترك فيه آية تعلق بها بدعي إلا أبطل تعلقه بها، وجعلها حجة لأهل الحق، وبيّن المجمل وشرح المشكل ونقض فيه ما حرفه الجبائي والبلخي في تفسيريهما.
ومنها الفصول في الرد على الملحدين والخارجين على الملة كالفلاسفة والطبائعيين والدهريين وأهل التشبيه.
ومنها مقالات المسلمين  استوعب فيه جميع اختلافهم ومقالاتهم وذكرها الحافظ بن عساكر بأسمائها وموضوعاتها في كتابه التبيين من صفحة 128 إلى صفحة 136، وقد اطلعت أنا الجامع لهذه الرسالة على ثلاثة من الكتب المذكورة وهي مطبوعة: اللمع، والإبانة، والمقالات الإسلامية.


وقال ابن عساكر في صفحة 28 من التبيين، وتصانيف أبي الحسن الأشعري بين أهل العلم مشهورة معروفة، وبالإجادة والإصابة للتحقيق عند المحققين موصوفة، ومن وقف على كتابه المسمى بالإبانة، عرف موضعه من العلم والديانة.


ثم قال في صفحة 152: فإذا كان أبو الحسن كما ذكر عنه من حسن الاعتقاد، مستصوب المذهب عند أهل المعرفة بالعلم والانتقاد يوافقه في أكثر ما يذهب إليه أكابر العباد، ولا يقدح في معتقده غير أهل الجهل والعناد، فلا بدّ أن نحكي عنه معتقده على وجهه بالأمانة، ونتجنب أن نزيد فيه أو ننقص منه تركاً للخيانة، لتعلم حقيقة حاله في صحة عقيدته في أصول الديانة، فاسمع ما ذكره في أول كتابه الذي سمّاه بالإبانة وذكر ما يأتي في آخر الرسالة إن شاء الله تعالى:
ثم قال في صفحة 171 في جملة أبيات نسبها لبعض المعاصرين له:
لو لم يصنف عمره ... .       غير الإبانة واللمع
لكفى فكيف وقد
  ... .        تفنن في العلوم بما جمع
مجموعة تربى على المئتـ 
... .        ين مما قد صنع
لم يأل في تصنيفها  ... .        أخذاً بأحسن ما استمع
فهدى بها المسترشد
  ....        ين ومن تصفحها انتفع
تتلى معاني كتبه
  ....        فوق المنابر في الجمع
ويخاف من إفحامه
  ....        أهل الكنائس والبيع
فهو الشجا في حلق من
  ....        ترك المحجة وابتدع

وممن عزا الإبانة إلى أبي الحسن الأشعري، الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي المتوفي سنة 458 قال في كتابه ( الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ) في باب القول في القرآن صفحة 31، ذكر الشافعي رحمه الله ما دل على أن ما نتلوه من القرآن بألسنتنا ونسمعه بآذاننا، ونكتبه في مصالحنا يسمى كلام الله عز وجل، وأن الله عز وجل كلم به عباده بأن أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبمعناه ذكره أيضاً علي بن إسماعيل في كتاب الإبانة.


وقال في صفحة 32 من الكتاب المذكور آنفاً: قال أبو الحسن علي بن إسماعيل في كتابه، يعني الإبانة:
"فإن قال قائل: تقولون أن كلام الله عز وجل في اللوح المحفوظ، قيل له نقول ذلك، لأن الله قال {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} فالقرآن في اللوح المحفوظ وهو في صدور الذين أوتوا العلم، وهو متلو بالألسنة قال تعالى : {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} والقرآن مكتوب في مصاحفنا في الحقيقة محفوظ في صدورنا في الحقيقة متلو بألسنتنا في الحقيقة مسموع لنا في الحقيقة كما قال تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} ثم قال في صفحة 26 بعد سرد الأدلة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق:
وقد احتج علي بن إسماعيل الأشعري رحمه الله بهذه الفصول", اه‍ من نسخة مخطوطة يرجع تاريخ خطها إلى سنة 1086ه‍  .
 

وممن ذكر الإبانة وعزاها لأبي الحسن الأشعري الحافظ المعروف بالذهبي، قال في كتابه ( العلو للعلي الغفار ) صفحة 278: قال الأشعري في كتاب ( الإبانة في أصول الديانة ) له في باب الاستواء.
فإن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟
قيل نقول إن الله مستوٍ على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} إلى آخر ما في الإبانة.
ثم قال: وكتاب الإبانة من أشهر تصانيف أبي الحسن الأشعري شهره الحافظ ابن عساكر واعتمد عليه ونسخه بخطه الإمام محيي الدين النووي.
 

وذكر الذهبي عن الحافظ أبي العباس أحمد بن ثابت الطرقي أنه قال: قرأت في كتاب أبي الحسن الأشعري الموسوم بالإبانة أدلة على إثبات الاستواء. ونقل عن أبي علي الدقاق أنه سمع زاهر بن أحمد الفقيه يقول: مات الأشعري رحمه الله ورأسه في حجري فكان يقول شيئاً في حال نزعه. لعن الله المعتزلة موهوا ومخرقوا. اه‍ كلام الذهبي.
 

وممن نسبها إلى أبي الحسن الأشعري ابن فرحون المالكي قال في كتابه الديباج صفحة 193: إلى ص194 ولأبي الحسن الأشعري كتب منها كتاب اللمع الكبير، وكتاب اللمع الصغير، وكتاب الإبانة في أصول الديانة. اه‍.
وممن عزاها لأبي الحسن الأشعري أبو الفلاح عبد الحي ابن العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089ه‍.
قال في الجزء الثاني من كتابه، ( شذرات الذهب في أعيان من ذهب ) صفحة 303، قال أبو الحسن الأشعري في كتابه ( الإبانة في أصول الديانة ) وهو آخر كتاب صنفه. وعليه يعتمد أصحابه في الذب عنه عند من يطعن عليه، ثم ذكر فصلاً كاملاً من الإبانة.
 

وممن عزاها لأبي الحسن الأشعري السيد مرتضى الزبيدي.
قال في ( إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين )في الجزء الثاني صفحة 2، قال: صنف أبو الحسن الأشعري بعد رجوعه من الاعتزال ( الموجز ) وهو في ثلاث مجلدات، كتاب مفيد في الرد على الجهمية والمعتزلة، ومقالات الإسلاميين، وكتاب الإبانة.
 

وقد تقدمت الحكاية عن ابن كثير أن الإبانة هي آخر كتاب صنفه أبو الحسن الأشعري.
 

وممن ذكر أن الإبانة تأليف أبي الحسن الأشعري أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس الشافعي  قال في رسالته ( الذب عن أبي الحسن الأشعري): اعلموا معشر الإخوان أن كتاب الإبانة عن أصول الديانة، الذي ألفه الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري هو الذي استقر عليه أمره فيما كان يعتقده وبه كان يدين الله سبحانه وتعالى بعد رجوعه من الاعتزال بمن الله ولطفه، وكل مقالة تنسب إليه الآن مما يخالف ما فيه فقد رجع عنها وتبرأ إلى الله سبحانه منها وكيف وقد نص فيه على أنه ديانته التي يدين الله سبحانه بها.
وروى وأثبت أنه ديانة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث الماضين وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين.
وأن ما فيه هو الذي يدل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهل يسوغ أن يقال: إنه رجع عن هذا إلى غيره فإلى ماذا يرجع أتراه يرجع عن كتاب الله وسنة نبي الله خلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون وأئمة الحديث المرضيون وقد علم أنه مذهبهم، ورواه عنهم؟؟‍‍‍!! هذا لعمري ما لا يليق نسبته إلى عوام المسلمين وكيف بأئمة الدين، أو هل يقال: إنه جهل الأمر فيما نقله عن السلف الماضين مع إفنائه جل عمره في استقراء المذاهب وتعرف الديانات، هذا مما لا يتوهمه منصف، ولا يزعمه إلا مكابر مسرف، وقد ذكر الإبانة واعتمد عليها وأثبتها عن الإمام أبي الحسن الأشعري وأثنى عليه بما ذكره فيها وبرأه من كل بدعة نسبة إليه، ونقل منها إلى تصنيفه جماعة من الأئمة الأعلام من فقهاء الإسلام وأئمة القراء وحفاظ الحديث وغيرهم.
 

وذكر ابن درباس طائفة من الذين قدمنا ذكرهم وزاد الحافظ أبا العباس أحمد بن ثابت العراقي، وذكر عنه أنه قال في بيان مسألة الاستواء من تأليفه: رأيت هؤلاء الجهمية ينتمون في نفي علو الله على العرش وتأويل الاستواء إلى أبي الحسن الأشعري، وما هذا بأول باطل ادعوه وكذب تعاطوه، فقد قرأت في كتابه الموسوم بالإبانة عن أصول الديانة أدلة من جملة ما ذكرته على إثبات الاستواء، ومنهم الإمام الأستاذ الحافظ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني ذكر عنه أنه ما كان يخرج إلى مجلس درسه إلا بيده كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري ويظهر الإعجاب به، ويقول ما الذي ينكر علي من هذا الكتاب شرح مذهبه ( هذا قول الإمام أبي عثمان وهو من أعيان أهل الأثر بخراسان ).
 

ومنهم إمام القراء أبو الحسن بن علي بن إبراهيم الفارسي ذكر الإمام أبا الحسن الأشعري رحمة الله عليه، فقال: وله كتاب في السنة سمّاه كتاب الإبانة صنفه ببغداد لما دخلها، وذكر ابن درباس أنه وجد كتاب الإبانة في كتب أبي الفتح نصر المقدسي رحمه الله ببيت المقدس وقال: رأيت في بعض تآليفه في الأصول فصولاً منها بخطه.
 

ومنهم الفقيه أبو المعالي مجلي صاحب كتاب الذخائر في الفقه، قال ابن درباس أنبأني غير واحد عن الحافظ أبي محمد المبارك ابن علي البغدادي ونقلته أنا من خطه في آخر كتاب الإبانة قال نقلت هذا الكتاب جميعه من نسخة كانت مع الشيخ الفقيه المجلي الشافعي أخرجها في مجلدة فنقلتها وعارضت بها وكان رحمه الله يعتمد عليها وعلى ما ذكره فيها ويقول لله من صنفه ويناظر على ذلك من ينكره وذكر ذلك لي وشافهني به قال: هذا مذهبي وإليه أذهب نقلت هذا في سنة 540ه‍ بمكة وهذا آخر ما نقلت من خط ابن الطباخ. وذكر فيمن عزاها إلى أبي الحسن أبا محمد بن علي البغدادي نزيل مكة قال ابن درباس شاهدت نسخة من كتاب الإبانة بخطه من أوله إلى آخره، وهي بيد شيخنا الإمام رئيس العلماء الفقيه الحافظ العلامة أبي الحسن بن المفضل المقدسي ونسخت منها نسخة، وقابلتها عليها بعد أن كنت كتبت نسخة أخرى مما وجدته في كتاب الإمام نصر المقدسي ببيت المقدس ولقد عرضها بعض أصحابنا على عظيم من عظماء الجهمية المنتمين افتراء إلى أبي الحسن الأشعري ببيت المقدس فأنكرها وجحدها وقال ما سمعنا بها قط ولا هي من تصنيفه واجتهد آخراً في أعمال رويته ليزيل الشبهة بفطنته فقال بعد تحريك لحيته لعله ألفها لما كان حشوياً، قال ابن درباس فما دريت من أين أمريه أعجب أمن جهله بالكتاب مع شهرته وكثرة من ذكره في تصانيفه من العلماء أو من جهله بحال شيخه الذي يفتري عليه بانتمائه إليه، واشتهاره قبل توبته من الاعتزال بين الأمة عالمها وجاهلها، فإذا كانوا بحال من ينتمون إليه بهذه المثابة فكيف يكونون بحال السلف الماضين وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأعلام الفقهاء والمحدثين وهم لا يلون على كتبهم ولا ينظرون في آثارهم وهم والله بذلك أجهل وأجهل كيف لا وقد قنع بعض من ينتمي منهم إلى أبي الحسن الأشعري بمجرد دعواه وهو في الحقيقة مخالف لمقالة أبي الحسن التي رجع إليها واعتمد في تدينه عليها قد ذهب صاحب التأليف إلى المقالة الأولى، وكان خلاف ذلك أحرى به وأولى لتستمر القاعدة وتصير الكلمة واحدة اه‍‍‍ كلام ابن درباس رحمه الله.
 

وممن ذكر الإبانة ونسبها إلى أبي الحسن الأشعري تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الشهير بابن تيمية المتوفى سنة 728ه‍، قال في الفتوى الحموية الكبرى صفحة 70: قال أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي سماه الإبانة في أصول الديانة وقد ذكر أصحابه أنه آخر كتاب صنفه وعليه يعتمدون في الذب عنه عند من يطعن عليه فقال: فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة وذكر ما في أو كتاب الإبانة بحروفه وسيأتي ذكره إن شاء الله قريباً.
 

وممن عزاها إلى أبي الحسن الأشعري شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية الحنبلي الدمشقي المتوفي سنة 751ه‍ قال في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية الطبعة الهندية صفحة 111 قال شيخ الإسلام ابن تيمية ولما رجع الأشعري عن مذهب المعتزلة سلك طريق أهل السنة والحديث وانتسب إلى الإمام أحمد بن حنبل كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها. ثم قال ابن القيم: وأبو الحسن الأشعري وأئمة أصحابه كالحسن الطبري وأبي عبد الله بن المجاهد والقاضي أبي بكر الباقلاني متفقون على إثبات الصفات الخبرية التي ذكرت في القرآن كالاستواء والوجه واليدين وعلى إبطال تأويلها وليس للأشعري في ذلك قولان أصلاً، ولم يذكر أحد عن الأشعري في ذلك قولين ولكن لاتباعه قولان في ذلك.
 

ولأبي المعالي الجويني في تأويلها قولان: أولها في الإرشاد ورجع عن تأويلها في رسالته النظامية  وحرمه، ونقل إجماع السلف على تحريمه وأنه ليس بواجب ولا جائز، ثم ذكر ابن القيم قول أبي الحسن الأشعري إمام الطائفة الأشعرية، ثم قال: نذكر كلامه فيما وقفنا عليه من كتبه كالموجز والإبانة والمقالات.
وقال ابن القيم في قصيدته النونية التي سماها الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية الطبعة المصرية صفحة 68:
والأشعري قال: تفسير استوى
  ....        بحقيقة استولى من البهتان
هو قول أهل الاعتزال وقول اتب‍
  ....        اع لجهم وهو ذو بطلان
في كتبه قد قال ذا من موجز
  ....        وإبانة ومقالة ببيان

وقال في صفحة 69 من الكتاب المذكور آنفاً:
وحكى ابن عبد البر في تمهيده
  ....        وكتاب الاستذكار غير جبان
إجماع أهل العلم أن الله فو
  ....        ق العرش بالإيضاح والبرهان
وأتى هناك بما شفى أهل الهدى
  ....        لكنه مرض على العميان
وكذا علي الأشعري فإنه
  ....        في كتبه قد جاء بالتبيان
من موجز وإبانة ومقالة
  ... .        ورسائل للثغر ذات بيان
وأتى بتقرير استواء الرب فو
  ....        ق العرش بالإيضاح والبرهان
وأتى بتقرير العلو بأحسن التقر
  ....        ير فانظر كتبه بعيان

قلت: هذه نقول الأئمة الأعلام التي تضمنت بالصراحة التي لا يتناطح عليها عنزان ولا يمتري فيها اثنان: إن كتاب الإبانة ليس مدسوساً على أبي الحسن الأشعري كما زعمه بعض الأغمار من المقلدة بل هو من تواليفه التي ألفها أخيراً واستقر أمره على ما فيها من عقيدة السلف التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية.
وبعد هذا رغبت أن أتحف القارئ بقطعة من عقيدة هذا الإمام التي رجع إليها وذكرها في إبانته، أذكرها بفصها ونصها ليظهر كل منصف قرأها بفهم أن أبا الحسن الأشعري تاب من التعطيل والتأويل كما أنه ليس بممثل بل هو مثبت ومعتقد كل ما أخبر الله به عن نفسه في كتابه أو أخبر به عنه نبيه عليه الصلاة والسلام من غير تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل.


فأقول قال أبو الحسن الأشعري في إبانته ( باب في إبانة قول أهل الحق والسنة ):
فإن قال لنا قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون.
قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا عليه السلام، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ورفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم مفخم.
وجملة قولنا أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاءوا به من عند الله وما رواه الثقاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئاً.
وأن الله عز وجل إله واحد لا إله إلا هو فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.
وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.
وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله مستو على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}.
وأن له وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ}.
وأن له يدين بلا كيف كما قال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} وكما قال :{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}.
وأن له عينين بلا كيف كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}.
وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً.
وأن لله علماً كما قال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} وكما قال :{ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ}.
ونثبت لله السمع والبصر ولا ننفي ذلك كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج.
ونثبت أن لله قوة كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} ونقول أن كلام الله غير مخلوق وأنه لم يخلق شيئاً إلا وقد قال له كن كما قال :{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
وأنه لا يكون في الأرض شيء من خير وشر إلا ما شاء الله.
وأن الأشياء تكون بمشيئة الله عز وجل وأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله ولا يستغني عن الله ولا يقدر على الخروج عن علم الله عز وجل، وأنه لا خالق إلا الله، وأن أعمال العبد مخلوقة لله مقدرة كما قال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً وهم يُخلقون كما قال: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّه} وكما قال :{لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وكما قال: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُق} وكما قال :{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} وهذا في كتاب الله كثير، وأن الله وفق المؤمنين لطاعته ولطف بهم ونظر لهم وأصلحهم وهداهم وأضل الكافرين ولم يهدهم ولم يلطف بهم بالآيات، كزعم أهل الزيغ والطغيان ولو لطف بهم وأصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين.
وأن الله يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وخذلهم وطبع على قلوبهم.
وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره، وإنا نؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره، حلوه ومره ونعلم أن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا.
وأن العباد لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا بالله كما قال عز وجل.
ونلجأ في أمورنا إلى الله ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه.
ونقول إن كلام الله غير مخلوق، وأن من قال بخلق القرآن فهو كافر.
وندين بأن الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونقول: إن الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنة كما قال عز وجل :{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}.
وأن موسى عليه السلام سأل الله عز وجل الرؤية في الدنيا، وأن الله سبحانه تجلى للجبل فجعله دكا فأعلم بذلك موسى أنه لا يراه في الدنيا.
وندين بأن لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمور كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم كافرون.
ونقول إن كل من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبههما مستحلاً لها غير معتقد لتحريمهما كان كافراً.
ونقول إن الإسلام أوسع من الإيمان وليس كل إسلام إيماناً.
وندين الله عز وجل بأنه يقلب القلوب بين إصبعين من أصابع الله عز وجل.
وأنه عز وجل يضع السموات على إصبع والأرضين على إصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.
وندين بأن لا ننزل أحداً من أهل التوحيد والممسكين بالإيمان جنة ولا ناراً إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.
ونرجو الجنة للمذنبين ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين.
ونقول إن الله عز وجل يخرج قوماً من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تصديقاً لما جاءت به الروايات عن الرسول صلوات الله عليه وسلم.
ونؤمن بعذاب القبر، وبالحوض.
وأن الميزان حق، والصراط حق، والبعث بعد  الموت حق، وأن الله عز وجل يوقف العباد في الموقف ويحاسب المؤمنين.
وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
ونسلم الروايات الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقاة عدل عن عدل حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وندين بحب السلف الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه عليه السلام ونثني عليهم بما أثنى الله به عليهم ونتولاهم أجمعين.
ونقول إن الإمام الفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضوان الله عليه.
وإن الله أعز به الدين وأظهره على المرتدين وقدمه المسلمون بالإمامة كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسموه جميعهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه وإن الذين قاتلوه، قاتلوه ظلماً وعدواناً.
ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافتهم خلافة النبوة .
ونشهد بالجنة للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، ونتولى سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  ونكف عمّا شجر بينهم.
وندين الله بأن الأئمة الأربعة خلفاء راشدون مهديون فضلاء لا يوازيهم في الفضل غيرهم.
ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا، وأن الرب عز وجل يقول هل من سائل، هل من مستغفر، وبسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافا لما قال أهل الزيغ والتضليل،ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا وسنة نبينا وإجماع المسلمين وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين الله ما لم يأذن لنا به، ولا نقول على الله ما لا نعلم.
ونقول إن الله عز وجل يجيء يوم القيامة كما قال :{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}.
وإن الله عز وجل يقرب من عباده كيف شاء كما قال :{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وكما قال :{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}.
ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وغيره. كما روي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج.
وإن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافاً لمن أنكر ذلك. ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم وتضليل من رأى الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الاستقامة.
وندين بإنكار الخروج بالسيف وترك القتال في الفتنة ونقر بخروج الدجال كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونؤمن بعذاب القبر ونكير ومنكر ومسائلتهما المدفونين بقبورهم. ونصدق بحديث المعراج.
ونصحح كثيراً من الرؤيا في المنام ونقر أن لذلك تفسيراً.
ونرى الصدقة عن موتى المسلمين والدعاء لهم: ونؤمن أن الله ينفعهم بذلك، ونصدق بأن في الدنيا سحرة وسحراً، وأن السحر كائن موجود في الدنيا.
وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وتوارثهم.
ونقر أن الجنة والنار مخلوقتان، وأن من مات وقتل فبأجله مات وقتل، وأن الأرزاق من قبل الله يرزقها عباده حلالاً وحراماً وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويسلكه ويتخبطه خلافاً لقول المعتزلة والجهمية كما قال الله عز وجل : {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وكما قال : {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.
ونقول: "إن الصالحين يجوز أن يخصهم الله عز وجل بآيات يظهرها عليهم. وقولنا في أطفال المشركين أن الله يؤجج لهم في الآخرة ناراً ثم يقول لهم اقتحموها كما جاءت بذلك الرواية. وندين الله عز وجل بأنه يعلم ما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون وما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وبطاعة الأئمة ونصيحة المسلمين، ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعته ومجانبة أهل الهوى" انتهى بحروفه.


هذا مجمل عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري التي استقر أمره عليها بعد أن أقام على مذهب الاعتزال أربعين عاماً. ذكره في أول كتابه الإبانة وفصله باباً باباً فراجعها إن شئت تجد ما يشفي ويكفي.


فتأمل أيها الأخ المنصف هذه العقيدة ما أوضحها وأبينها واعترف بفضل هذا الإمام العالم الذي شرحها وبينها وانظر سهولة لفظها فما أفصحه وأحسنه. وكن ممن قال الله فيهم :{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وتبين فضل أبي الحسن الأشعري واعرف إنصافه واسمع وصفه للإمام أحمد بن حنبل بالفضل والعلم لتعلم أنهما كانا في الاعتقاد متفقين وفي أصول الدين ومذهب  السنة غير مفترقين.
ولعمري أن هذه العقيدة ينبغي لكل مسلم أن يعتقدها ولا يخرج عن شيء منها إلا من في قلبه غش ونكد.
نسأل الله تعالى الثبات عليها ونستودعها عند من لا تضيع عنده وديعة. والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على نبينا محمد معلم الخيرات وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم تجزى فيه الحسنات.

أمثلة على نقض شبهة تعارض العقل والنقل عند الاشاعرة

بسم الله
قال الشيخ وليد بن راشد السعيدان في كتابه الممتع [ القواعد المذاعة في مذهب أهل السنة والجماعة ] ما نصه : " القاعدة الثانية [[ لا يتعارض نصٌ صحيح وعقلٌ صريح ]]

نعم إنه لا يمكن أن يتعارضا أبدًا ؛ لأن الذي أنزل النص من كتابٍ وسنةٍ هو الذي خلق العقل ، وهو أعلم بما يقول من غيره ، وأحسن حديثًا ، وأصدق قيلاً من خلقه ، فإذا وُجِد ما يوهم التعارض بين النصوص والعقول فلا تخلو من أحد أمرين : إما أن يكون النص غير صحيحٍ ، فيجب حينئذٍ البحث عن صحة النص ، وإذا قلنا ( البحث عن صحة النص ) فنعني به إذا كان النص من السنة ، أما إذا كان النص من القرآن فلا يأتي البحث عن الصحة ؛ لأن القرآن كله متواتر ، فإذا بحثنا عن ثبوت النص فوجدناه ثابتًا بالسند الصحيح فننتقل إلى الحالة الثانية وهي : صراحة العقل ، وهو أن من شروط البحث في معنى النص الصحيح أن يكون الباحث فيه ذا عقلٍ سليم في التفكير ، معتقدًا لمنهج أهل السنة والجماعة ، لاسيما إذا كان النص المبحوث فيه من نصوص الصفات .

فإذا توفرت صحة النص وسلامة العقل فوالله الذي لا إله غيره أنه لا يمكن أبدًا أن يكون هناك تعارض ولا تناقض ، والدليل على ذلك أن كل الذين ادعوا التعارض بين العقل والنقل كلهم من أهل البدع والضلال ، ولا نعرف حرفًا واحدًا من خلاف التضاد بين السلف في مسائل الاعتقاد التي تستحق أن تكون من مسائل الاعتقاد ؛ كل هذا لتوفر هذين الشرطين ، صحة النص وسلامة العقل من الآفات الدخيلة عليه .

وهذه قاعدة مهمة في مذهب أهل السنة والجماعة ؛ حتى أفردها شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية بمؤلف خاص وهو كتابه الكبير المفيد المستصعب ( درء تعارض العقل والنقل ) .


وكما قلنا سابقًا أن النقل لا يمكن أن يأتي بما يتعارض مع العقل وإنما يأتي أحيانًا بما يحار فيه العقل ، فما ضَلَّ من ضَلَّ من أهل الضلال إلا لأنهم جوزوا وقوع هذا التعارض ، فيا لله العجب كم جرّوا على الإسلام من بلية ، وفتحوا لأعداء الإسلام بهذا الكلام من باب ، والقوم لا يدرون أن النتن من عقولهم لا من النصوص - حاشا وكلا - إنما عقولهم الفاسدة هي التي تقرمط في السمعيات وتسفسط في العقليات ، فلقد أمر الله تعالى بتدبر كتابه الكريم في أكثر من آية ، فلو قلنا بهذه المعارضة لما كان للأمر بالتدبر فائدة مع قيام هذه المعارضة ، فأهل السنة عندهم أصلان مهمـان لا بد مـن فهمهما : الأول : أن النقل أصـل والعقـل وسيلـة لفهمه . الثانية : أنه لا يمكن أن يتعارض نص ثبتت صحته وعقل ثبتت صراحته .

وحتى تتضح هذه القاعدة أكثر فسأذكر لك - إن شاء الله تعالى - بعض ما أوردوه في بعض النصوص التي ادعوا أنها تعارض العقول ، ونبين أن هذه النصوص إن ثبتت صحتها فإنها لا يمكن أن تعارض العقل .

فمنهـا : قـال الله تعـالى : ( ءأمنتم من في السماء ) . وقال النـبي - صلى الله عليه وسلم - للجـــاريـة : (( أين الله ؟ )) . قالت : ( في السماء ) .
فقال أهل الضلال : لو أخذنا بظاهر هذا الحديث والآية للزم من ذلك أن يكون الله تعالى في داخل السماء ، أي أن السماء تضله ؛ لأن حرف ( في ) في اللغة العربية للظرفية ، كذا قالوا وبئس ما قالوا ، وما قالوا ذلك إلا لجهلهم باللغة العربية .

والجواب على ذلك من وجهين : بالمنع والتسليم ، فأما المنع فيقال : نحن نمنع أن تكون ( في ) هنا للظرفية ، بل هي بمعنى على ؛ فإن ( في ) تأتي في اللغة العربية بمعنى على ، ومصداق ذلك قول الله تعالى : ( لأصلبنكم في جذوع النخل ) أي على جذوع النخل ، ولا يفهم أحد من هذه الآية أن فرعون – عليه لعنة الله تعالى – سوف يحفر لهم داخل الجذع ويصلبهم فيها ، وكذلك قوله تعالى : ( فسيحوا في الأرض ) أي عليها ، ولا يفهم أحد أنهم أُمِرُوا بأن يحفروا في داخل الأرض ويسيحوا فيها ، ومن فهم ذلك من الآيتين فهو من الأغبياء ، فكذلك الآية التي معنـا معنـاها : علـى السمـاء .
وأمــا الجـواب بـالتسليم فنـقـول : سلمنـا أن المراد بـ( في ) هو الظرفية لكن لا نسلم أن المراد بـ( السماء ) هي ذات الأطباق الزرقاء بل المراد بها العلو ، فإن كل ما علاك فهو سماءٌ ، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى ( وأنزلنا من السماء ماءً ) والماء لا ينزل من السماء الزرقاء بل من السحاب المسخر بين السماء والأرض ، فعلى هذا لا يكون في الآية ما يتعارض مع العقل ، بل هي موافقة له كل الموافقة ؛ لأن العقل السليم يفرض صفة العلو المطلق لله تعالى.


ومنها : ما يُروى عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - (( الحجر الأسود يمين الله تعالى في الأرض فمن قبله وصافحه فكأنما قبل يد الله تعالى وصافح يمينه )) . فقالوا : هذا الحديث يتعارض مع العقل ؛ لأنه يثبت عقيدة الحلولية وأن الله تعالى حال معنا ، فهو يثبت أن أحدًا يصافح الله تعالى .
والجواب أن يقال : لا تحكموا قبل النظر في صحة الدليل والنظر في صراحة العقل ، فهذا الكلام إذا نظرنا له من ناحية سنده مرفوعًا فهو إسناد مظلم لا يجوز معه نسبة هذا الكلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما يُعرف موقوفًا على ابن عباس - رضي الله عنه - ، إذًا فقدْ فقدَ هذا الكلام شرطًا من الشروط وهو صحة السند ، لكن نقول : هذا الكلام من ابن عباس ليس للرأي فيه مجال ، وابن عباس لا يأخذ من أهل الكتاب ، فله حكم الرفع . والقاعدة عند أهل السنة تقول : إذا قال الصحابي قولاً ليس للرأي فيه مجال ، ولم يكن يأخذ عن أهل الكتاب فله حكم الرفع ، وفيه قال الناظم :
وغيرهم واحكم له بالرفع بشـرطه الآتي فخذه وارع
إن لم يكن للرأي فيه معتنق ولم يكن يأخذ عمن قد سبق


بل هذا الأثر لا يتعارض مع العقل حتى وإن كان من كلام ابن عباس - رضي الله عنه - وذلك من وجوه :
أولها : أن ابن عباس قال : ( يمين الله تعالى في الأرض ) ، ولم يطلق هذه اليمين فهي يمين مقيدة بأنها في الأرض ، ويمين الله تعالى ليست في الأرض وإنما هي في السماء ، فعلم أنه لم يرد حقيقة يمين الله تعالى .

والثاني : أنه قال : ( فمن صافحه وقبله فكأنما صافح ) وهذا في اللغة أسلوب تشبيه ، ومن المعلوم بالعقل أن المشبه ليس هو المشبه به ، فدل هذا على أنه أراد التقريب فقط لا إرادة التمثيل ، أي إن الذي يقبل الحجر كأنه بمنزلة من قبَّل يد الله تعالى ، ومن صافح الحجر فهو بمنزلة من صافح يمين الله تعالى ؛ وذلك لأن عادة الملوك إذا دخل عليهم رعاياهم قبلوا أيديهم ولله المثل الأعلى ونستغفر الله تعالى ونتوب إليه .


ومنهـا : قـول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (( إني أجدُ نَفَسَ الرحمن من قِبَل اليمن )) فقالوا لنا : قد وقعتم وقعةً لا تخرجون منها ، فإننا لو أخذنا بظاهر هذا الحديث فنحن حلولية ولا شك ، إذ فيه إثبات أن الرحمن حال ببعض مخلوقاته ، قلنا : لستم أيها الأغبياء من يوقع أهل السنة في شبهاتكم ، فإنها كما قال الخطابي :
حججٌ تهافت كالزجاج تخالها حقاً وكل كاسر مكسور
فلننظر أولاً في صحة الدليل ودرجة ثبوته فنظرناه ، فوجدناه في غاية الصحة ، فلما تأكدنا من ثبوته نرجع إلى حقيقة معناه فوجدناه من أعظم الأدلة على صحة قاعدتنا من أنه لا يمكن أن يتعارض عقل صريح ونقل صحيح ، وبيان ذلك : أن الذي أوجب لكم الإشكال في هذا الحديث هو كلمة ( نفس ) وتحسبونها من النفس المعروف ، وهذا جهل منكم ، بل هي من نَفَّس يُنفِّس تنفيسًا ، أي من التفريج ، أي إن تفريج الله لعباده يكون من قبل اليمن ، وهذا هو الذي حصل ، فإن الله تعالى نفس على عباده في حروب الردة بأهل اليمن ، فهم أهل إيمانٍ وحكمة ، فعلى هذا المعنى الصحيح الذي هو ظاهر اللفظ لا يكون في الحديث أي إشكال ولله الحمد والمنة .


ومنها : قـال الرسـول - صلى الله عليه وسلم - : (( قال الله تعالـى : عبدي مرضت فلم تعـدني ... جعت فلم تطعمني ... استسقيت فلم تسقني )) .
فقالوا : لئن فررتم من الحديث الأول فلن تفروا من هذا ، فإن هذا الحديث معارض للعقل من كل وجه فإن العقل يوجب لله تعالى صفات الكمال وهذا الحديث فيه وصف الله تعالى بالجوع والضمأ والمرض فالواجب هو اطراحه ، كذا قالوا ولبئس ما قالوا ، هذا هو دأب القوم يجعلون عقولهم الناقصة وأهوائهم النتنة حاكمة على نصوص الكتاب والسنة فأي نص يعارضها رموا به عُرض الحائط غير آبهين به .

والجواب عما ذكروه أن يقال : الدليل لنا لا لكم ؛ فالسند مثل الشمس فقد رواه مسلم ، وأما معناه الصحيح ، فيفسره آخر الحديث ، فإن في آخره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده أما إنك لو عدته لوجدتني عنده ، أما علمت أن عبدي فلان استطعمك فلم تطعمه أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ، أما علمت أن عبدي فلان استسقاك فلم تسقه أما إنك لو أسقيته لوجدت ذلك عندي )) فهذا الكلام فيه تصريح لأهل العقول السليمة أن الله تعالى لم يمرض ولم يجع ولم يضمأ وإنما الذي جاع هو المخلوق والذي عطش واستطعم هو المخلوق ، فهذا موافق للعقل السليم أتم الموافقة ، والفروع على هذه القاعدة كثيرة وإنما المقصود الإشارة ، والله تعالى أعلم . " ا.هـــ


الحق في تقديم النقل على العقل

27 نوفمبر، 2010

الأسباب الحقيقة لمطاعن السقاف في الأشعري وقدماء أصحابه؟

كشف المناهج الخفية و بيان المناهج الشرعية
من قضايا العقيدة الإسلامية







الأسباب الحقيقة لمطاعن السقاف في الأشعري وقدماء أصحابه؟







كتبه
مُخْتَار الْأَخْضَر طَيبَاويّ

فهرس بموضوعات الرسالة



تنبيه: 2
المقدمة: 2
أقسام المذهب الأشعري عند السقاف: 13
أسباب ذم السقاف للأشعري: 14
ـ قاموس السقاف في الطعن في الأشعري: 28
خلاصة اعتقاد السقاف في الأشعري و الأشعرية: 29
بيان ضلال المعتزلة و تناقضهم: 30
مقالات المعتزلة وتراجم أئمتها: 31
بيان بذم أئمة السنة للمعتزلة: 34
فهرس بموضوعات الرسالة. 42





بسم الله الرحمان الرحيم

لماذا يطعن السقاف في الأشعري وقدماء أصحابه؟

تنبيه:

هذه الرسالة كنت قد كتبتها ـ العام الفائت ـ لبعض الأشاعرة ـ عندنا ـ الذين غرّهم السقاف، وصاروا يستشهدون بكلامه، ويروجون له في الأوساط الأشعرية المعادية للمعتزلة و الرافضة!

المقدمة:

الحمد لله وحده، و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده.
أما بعد،فقد ظهر مؤخرا من يريد التّشبيه على أهل السنة في عقائدهم، مستعملا شتى الوسائل، و أكثرها قذارة، كالكذب على الأئمة ،و الطعن في ديانتهم ومنزلتهم العلمية، وهو المدعو: حسن بن علوي السقاف، ومن سلك سبيله من الشيعة الرافضة المندسين .
ولكن ما هو أخطر من ذلك بكثير أن يقوم بعض من ينتسب إلى المذهب الأشعري، و يزعم أنه يدافع عن هذا المذهب، وعن أئمته، وأنه يعظم كسلفه أصول السنة كـ (الصحيحين) بالتّرويج لفكر السقاف و شبهاته في الأوساط الأشعرية!
فهذا الأمر في غاية الخطورة ،يجب أن يتنبه إليه فضلاء أهل العلم و طلبته في هذه البلاد، فإن من المروجين لضلالات السقاف من لهم منابر في الصحف و الجرائد، وقد بثوا سمومهم في الناس.
فهذا كشف لجنايات السقاف على الأئمة الأشعرية، و خاصة على أبي الحسن الأشعري ـ رحمه الله ـ لعل بعضهم يستفيق من غفلته، و يعرف أنه قد اندس بين صفوفهم معتزلة ـ إن لم يكونوا على مذهب أسوأ بكثيرـ.
ومما يدلك على أن الأشاعرة ينفرون من مخالفة الأشعري أشد النفور ،خاصة المغاربة منهم ،ما نقله السبكي في" الطبقات"{192/5} في ترجمة أبي المعالي الجويني ،قال:
" و ربما خالف الأشعري و أتى بعبارة عالية على عادة فصاحته تأدية نظره و اجتهاده، فلا تحتمل المغاربة أن يقال مثلها في حق الأشعري"[1].
قلت : هذا في مخالف للأشعري، هو إمام من أئمتهم، مثل: إمام الحرمين، فما بالك بمعتزلي كالسقاف يطعن في عقيدتهم و أئمتهم، و يدعوهم ليصيروا معتزلة؟!
1 ـ يصف السقاف الأشعرية بالحيرة و الاضطراب في معرفة مذهبهم، ومعرفة عقيدة صاحب مذهبهم، و أنهم في الحقيقة لا يعرفون عقيدة الأشعري جيدا، فهو في واد،وهم في واد، و أن الأشعري ليس إماما جليلا كما يظنون !
قال السقاف في"الإبانة"{ص:5}:"فكتاب الإبانة لغز احتار أصحابنا الأشاعرة المنزهة بما فيه من الأفكار،ويكمن اللغز في أنهم يظنون بل يتوهمون أن الأشعري كان يقول بما يقولون به! و أنه إمام جليل صاحب مذهب التنزيه الذي عليه المتأخرون من المنزهة الأشعرية"
2 ـ زعم السقاف أن الأشعرية ليسوا أتباع أبي الحسن الأشعري، بل هم في الحقيقة أتباع أبي حامد الغزالي، و أن الغزالي أسس "لفق" لهم مذهبا معتدلا ما بين طوائف أهل السنة، لأن كلام الأشعري مدخل في قول المجسمة و المشبهة[2] و أن كتاب الإبانة فيه من الفظائع الشيء الكثير، و أن القطعة التي نقلها الحافظ ابن عساكر من " الإبانة" في كتابه( تبيين كذب المفتري) تثبت بأنه كان يقول بتلك الطامات و البليات"{ الإبانة ص:6}.
3 ـ جعل السقاف في (الإبانة){ص:19} عملية الدنو من مذهب المعتزلة دليلا على النضج و الفهم، فنقل عن السبكي قوله في"الطبقات الكبرى"{386/3} أثناء حديثه عن الكسب و الاختيار:
" ولإمام الحرمين و الغزالي مذهب يزيد على المذهبين جميعا،ويدنو كل الدنو من الاعتزال، و ليس هو هو".
فلم يفرق بين الإخبار و المدح، فجعل إخبار السبكي مدحا لمذهب المعتزلة، لأنه سبق له و أن دعى الأشاعرة عن بكرة أبيهم إلى الالتحاق بمذهب المعتزلة و اعتناقه، قال في مقدمة( العلو للعلي الغفار للذهبي){ص:14}:
" كما ينبغي لهم أن يعرفوا عدوهم من صديقهم!! و أن يدركوا بأن مذهب آل البيت و المعتزلة وغيرهم[يقصد الرافضة] أقرب إليهم من مذهب المتسلفين المجسمة و المشبهة الذين منهم الحنابلة أمثال ابن تيمية و أتباعه".
ويعلم الأشاعرة كافة أن كل كتبهم بدون استثناء قامت على مناصبة العداء و الخصومة للمعتزلة ، خاصة كتب القدماء منهم كلها ذم للمعتزلة، و تشهير بهم، و تقبيح لفكرهم ومعتقدهم.
4 ـ زعم السقاف أن الأشاعرة مخالفون للأشعري، و أنه هو لا يعول على مقولاته، لأن الأقوال الاعتقادية الفاسدة ثابتة عنه في كتابيه(الإبانة) و ( المقالات).
ولما حاول شيخه زاهد الكوثري[3] عدم إثارة حافظة الأشاعرة بسبب بعض الألفاظ التي أطلقها في حق الأشعري من خلال نسبة التحريف إلى كتاب (الإبانة) قال السقاف{ص:8}:
" فهذه النصوص التي قالها العلامة الكوثري لا تنفي تورط الأشعري بالعقائد الفاسدة و إنما فيها أن الطبعة الهندية كان فيها تحريف و أما تلاحق أقلام الحشوية بالتصرف فيها فلا دليل عليه".
5 ـ يشكّك السقاف ـ كما هي عادته ـ في منزلة الأشعري في علم الكلام خصوصا، و في الفهم عموما، بتشكيكات تدل على ضعف عقله، و أنه يرد على خصمه بكل ما يقع تحت يديه، ولو كان هباء منبثا قائلا (الإبانة ص:12):
" فهل كان هو بذلك المستوى العقلي حتى يكون ممن لا يستطيع أن يكتشف ضلال أو خطأ مذهب المعتزلة أربعين سنة؟!"[4]
ثم يضيف قائلا:
" المفترض من الإمام الذكي أن يكتشف الضلال أو الخطأ من أول الجلسات أو خلال أشهر أو على الأكثر سنة! لا أن تجري عليه أربعون سنة صم يصور مذهب المعتزلة في الإبانة و المقالات بغير صورته الحقيقية و يتقوّل عليهم أنواع الفرى وهم برءاء منها!".
قلت: إلزامات السقاف تلزم الأشعري ـ رحمه الله ـ لو أنه خرج من بطن أمه عالما نحريرا، بمجرد مجالسة المعتزلة يكتشف عوار قولهم، وخبل عقولهم!
أما و إنه كسائر الناس لا يبدأ بالتعلم إلا عندما يبلغ رشده خاصة المسائل العقلية، فهذا الإلزام غير لازم له.
فكم من عالم بقي على مذهب مدة ليست بالقصيرة، ثم تحول عنه، فإن ترك المألوف ، و ما ينشأ عليه المرء عسر على أكثر الخلق إلا الأقوياء منهم.
ومما يدل على عدم ذكاء السقاف أنه لازال حتى يومنا هذا على مذهب الاعتزال، وهو مذهب كله تناقضات، و شنائع، وترهات إلا اليسير منه، و قد أجمع أئمة السنة قاطبة على ذم المعتزلة، و أنهم طائفة ضالة.
و من الفريات التي نقلها الأشعري عن المعتزلة ـ حسب زعم السقاف ـ أنهم يقولون:
" إن الله في كل مكان حتى في الحشوش و الأخلية، و أنهم ينكرون عذاب القبر"{ص:12 هامش}.
قلت:هم و إن لم يصرحوا بذلك لشناعته إلا أنه لازم لهم، ومتى كان اللازم ظاهرا جليا غير خاف على قائله ألزم به.
فمذهب المعتزلة أن الله سبحانه لا داخل العالم، و لا خارجه، لا متصل به، ولا منفصل عنه، ومنهم من يقول: هو بكل مكان بذاته ، ولفظة" كل مكان" تعم الحشوش و الأخلية .
أما إنكار عذاب القبر فهو مشهور عن بعضهم، وليس كل أئمتهم يقولون به، ولكنه في الأخير من أقوال المعتزلة،قال ابن حزم في ( الفصل في الملل){437/1}:
" ذهب ضرار بن عمرو الغطفاني أحد شيوخ المعتزلة إلى إنكار عذاب القبر، وهو قول من لقينا من الخوارج، وذهب أهل السنة وبشر بن المعتمر والجبائي وسائر المعتزلة إلى القول به وبه نقول لصحة الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به".
6 ـ كذلك من الوسائل الحقيرة التي يستعملها السقاف لإنكار إمامة الأشعري اختلاف تواريخ الميلاد و الوفاة، وهذه المسألة ـ تقريبا ـ لم ينجو منها كبار الأئمة كما يعرفه من يطالع كتب التراجم.
وهي لا تعني أن من اختلفوا في تاريخ ميلاده أو وفاته لم يكن إماما مشهورا، فقد اختلف في تاريخ وفاة مالك و الشافعي و أبي حنيفة، وكثير من الأئمة المشهورين؛ حتى أئمة المعتزلة و الشيعة الاختلاف حول أعمارهم معروف، فما بال السقاف يسقط لهذا الدرك؟!
قال{ص:15}:
" اختلفوا في موته ثلاث عشرة سنة! من سنة320 إلى333! وهذا يثبت لنا انه لم يكن من الأئمة، ولا المشهورين آنذاك لان الأئمة المشهورين تضبط وفاياتهم باليوم و بأدق من ذلك".
قال الذهبي في (السير){333/13} في ترجمة سهل بن عبد الله التستري:
" قيل: توفي سهل بن عبدالله في سنة ثلاث وسبعين،وليس بشئ، بل الصواب: موته في المحرم سنة ثلاث وثمانين ومئتين، ويقال: عاش ثمانين سنة أو أكثر".
وقال{364/5}:
" قال السري بن يحيى: توفي مالك بن دينار سنة سبع وعشرين ومئة.
وقال ابن المديني: سنة ثلاثين ومئة."
وقال الذهبي أيضا{132/8}:
" قال القعنبي: سمعتهم يقولون: عمر مالك تسع وثمانون سنة، مات سنة تسع وسبعين ومئة.
وقال إسماعيل بن أبي أويس: مرض مالك، فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت، قالوا: تشهد، ثم قال: (لله الأمر من قبل ومن بعد) ،وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومئة، فصلى عليه الأمير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، ولد زينب بنت سليمان العباسية، ويعرف بأمه.
رواها محمد بن سعد عنه، ثم قال: وسألت مصعبا، فقال: بل مات في صفر، فأخبرني معن بن عيسى بمثل ذلك.
وقال أبو مصعب الزهري: مات لعشر مضت من ربيع الأول سنة تسع.
وقال محمد بن سحنون: مات في حادي عشر ربيع الأول.
وقال ابن وهب: مات لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول.
قال القاضي عياض: الصحيح: وفاته في ربيع الأول يوم الأحد لتمام اثنين وعشرين يوما من مرضه."
قلت: فهؤلاء أئمة أعلام اختلف في تاريخ وفاتهم، خاصة الإمام مالك أشهر الأعلام، فأين قول السقاف وقاعدته المشئومة:(( لأن الأئمة المشهورين تضبط وفاياتهم باليوم و بأدق من ذلك))؟!
7 ـ لما لم يجد السقاف ما يطعن به في علم الأشعري و ديانته ـ عند أهل السنة ـ رجع أدراجه و استعان ببني جلدته المذهبية: المعتزلة، فنقل عن الحاكم الجشمي البيهقي المعتزلي قوله:
" وذكر القاضي عن أبي هاشم أن أكثر كلامه يدل على أنه لا يعتمد و أنه كان صاحب دنيا ليس إلا طلبا للرياسة"{ص:15}[5].
قلت:إذا لم تعتمد المعتزلة على كلام الأشعري فهم معذورون على ذلك، لأنه لا يوجد من كشف مقالاتهم و شناعاتهم و فضحهم للأمة مثل الأشعري، فلابد أن يبلغ بهم الحنق و الحقد عليه مبلغا كبيرا.
كذلك يقال:المعتزلة معروفون برمي خصومهم بالطامات ووضع الحكايات و القصص الباطلة لتشويه سمعتهم، مما لا يخفى على العاقل.
والمشكلة الحقيقية التي يعاني منها السقاف، و العقدة التي يسببها له الأشعري ـ رحمه الله ـ هو ما كشفه للأمة من شنائع المعتزلة وشبههم، يقول السقاف{ص:38}:
" وهنا يقف الإنسان متفكرا ما هي الجريمة الكبرى التي اقترفها المعتزلة و أهل التنزيه حتى يقف الأشعري منهم هذا الموقف ويرميهم بالعظائم وما هم برءاء منه؟!و كيف يعقهم هذا العقوق...... ومن عق شيخه لا يفلح أبدا"[6].
8 ـ بعد أن حط السقاف من قدر الأشعري ومنزلته بين العلماء انتقل إلى الأشاعرة ـ برمتهم ـ يمدح بعضهم ليسوغ له فيما بعد ذم بعضهم الآخر، ثم أولئك الذين مدحهم أولا يعود عليهم في الأخير بالذم و الثلب!
ومن أشد مطاعنه عليهم رميهم بالتناقض و الاضطراب، و لكن بأسلوب خفي، حيث يزعم أن المذهب الأشعري في حقيقته عدة مذاهب لا تمت لبعضها البعض بصلة، مختلفة الأشكال و المناهج ،قال{ص:16}:
" و الأشاعرة أو الأشعرية على التحقيق ليس مذهبا واحدا أو نهجا واحدا ،و إنما هو عدة أشكال و اتجاهات من المذاهب و المناهج".
وقال {ص:17}:
" إذن فالمذهب الأشعري يتكون على التحقيق من عدة مذاهب يختلف بعضها عن بعض و إن سموها تجوزا: المذهب الأشعري".
قلت:الاختلاف في المذاهب ليس عيبا، فجل المذاهب يختلف أصحابها فيما بينهم، ولكن اختلاف مناهجهم أمر لا يعقل ،إذ المفروض أن المذهب يتميز عن غيره من المذاهب بمجموعة قواعد أو أصول ينفرد بترتيبها نسميها: (المنهج) أو (الطريقة). ومتى اختلف أصحاب المذهب في أصول مذهبهم لم يصح نسبتهم إلى نفس المذهب.

أقسام المذهب الأشعري عند السقاف:

لم يكتف السقاف بتقسيم المذهب الأشعري إلى مذاهب متعارضة متناقضة، بل حط على كل قسم منها بطريقته، مما يفهم منه القارئ أنه مذهب ضعيف، لا يصلح للتمسك به قال{ص:16}:
1 ـ "فهناك مذهب الأشعري نفسه، و يمكن أن يضم إليه الباقلاني"
قلت: هذا المذهب سبق أن بيّنا كيف ذمه السقاف، و بيّن أنه مذهب المجسمة،وقد سبق للسقاف أن نسب هذا الكتاب(الإبانة) للباقلاني، وهو شديد الوقوع فيه، لا يحتمله أدنى احتمال، لكون خلاف الباقلاني للمعتزلة كان واضحا و صريحا.
قال الباقلاني في ( الإنصاف){23/1}:
" واعلم: أن أخبث من ذكرنا من المبتدعة، وأكثرهم شبهاً وأعظمهم استجلاباً لقلوب العوام، المعتزلة، فجعلوا يتطلبون أن يضلوا من ذكرنا في مسألة القدر، فلم يقدروا، وكذلك في مسألة الرؤية، فلم يقدروا، وكذلك في مسألة الشفاعة والصراط والميزان، وعذاب القبر، وجميع ما أنكروه مما صحت فيه الآثار فلم يقدروا عليهم في شيء من ذلك، ولم يظفروا به، فجاءوا إلى مسألة القرآن وعقدهم فيه أنه مخلوق محدث موصوف بصفات المخلوقين، فما قدروا أن يصرحوا بكونه مخلوقاً، فما زالوا يحسنوا لهم أموراً حتى قالوا: بأن القرآن يتصف بصفات الخلق، وذلك أكبر عمدة لهم في كونه مخلوقاً، فرضوا منهم بأن يقولوا بخلق القرآن معنى وإن لم يصرحوا به نطقاً. وكان أكبر غرض هؤلاء الجهلة ممن يتصدى للعلم وليس من أهل ذلك، أن ينفروا العوام من أهل التحقيق والذين يعرفون مغزاهم في ذلك، حتى لا يسمع كلامهم ولا يتعلم منهم حتى ينقرضوا شيئاً فشيئاً ويتم لهم ما أرادوا في الجهال والعوام."

أسباب ذم السقاف للأشعري:

وعليه نستخلص من هذا الكلام أن قاعدة السقاف التي على أساسها يقيّم أئمة الأشاعرة هي: كل من وافق السلف الصالح و اتبع طريقة أئمة السنة فهو جاهل، و متناقض، و مضطرب؛ ولا يقبل كلامه، ولا يصلح للإمامة.
وكل من وافق المعتزلة، و اقترب منهم، فهو صاحب فهم و إدراك ثاقب!.
قال{ص:20}:
" وقد دعا لذلك ابن تيمية مع أنه يؤول الاستواء بالجلوس و القعود[7] وكان على ذلك من يسمونهم بالسلف من أهل القرون الثلاثة الأولى و الأشعري معهم في اعتقاد الظاهر و الحقيقة كما تفيد ذلك نصوصه ".
قلت:قاعدة الأشعري التي يعمل بها في باب الصفات، و التي لا تعجب السقاف هي قوله في (الإبانة):
" القرآن على ظاهره، ولا يزول عن ظاهره إلا بحجة، فإن وجدنا حجة أزلنا بها ذكر الأيدي عن الظاهر إلى ظاهر آخر،ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقته لا يزول عنها إلا بحجة".
فهذه القاعدة في التأويل التي نصّ عليه الأشعري ـ رحمه الله ـ هي طريقة(عرجاء عوجاء) عند السقاف! لان ظاهر القرآن عند المعتزلة كله كفر و ضلال،فإما أن الله عز وجل ـ تعالى عن سلبهم و تعطيلهم ـ عجز عن إيضاح مراده في القران فهو بحاجة إلى عقول خلقه لتوضيح كلامه، في حين يقدر المعتزلة ـ وحتى الحيوانات فيما بينها ـ أن تفهم غيرها مرادها!.
و إما أنه أضل عباده حيث أوهمهم ما ليس بحق، وتركهم يتخبطون في اختلافاتهم، و أعوزهم إلى مشركي اليونان ليتعلموا منهم العلم الذي يفهمون به كلام ربهم و سنة نبيهم وهو المنطق الأرسطي !
فإذا صحّ عن الأشعري اتباعه للسلف الصالح، وموافقته لأئمة السنة، فهذا يدل على إمامته، ولما اعتبره أهل العلم من أئمة السنة.
نقل السقاف عن ابن القشيري في رسالته(شكاية أهل السنة) أن الأشعري يثبت الوجه و اليد و غيرها ،كما نقله السبكي عنه في (طبقات الشافعية){405/3}.
قال الذهبي في( السير){505/10}:
" قد فسر علماء السلف المهم من الألفاظ وغير المهم، و ما أبقوا ممكنا، و آيات الصفات و أحاديثها لم يتعرضوا لتأويلها أصلا، وهي أهم الدين، فلو كان تأويلها سائغا أو حتما لبادروا إليه، فعلم قطعا أن قراءتها و إمرارها على ما جاءت هو الحق لا تفسير لها غير ذلك".
قلت: فإذا كان الأشعري متبعا للسلف الصالح، وما قاله في ضوابط التأويل هو الموافق لما كان عليه السلف الصالح، و الموافق للغة العرب، و لدلالة العقل الصحيحة، فإن التأويل لا يصار إليه إلا بحجة، و الحجة لابد أن تكون مقررة في شريعتنا، لا مستوردة من منطق اليونان و أوهامهم كشبهة الجسمية، فإن قامت حجة من شريعتنا، و لغة نقلة الدين من الصحابة و التابعين فسرنا بالأقرب الأغلب من لغة العرب، لا بالأغرب، كما يفعل الجهمية المعتزلة المعطلة.
قال السقاف {ص:16 هامش} وهو يقارن بين الباقلاني و الحليمي:
" وكان الباقلاني البصري البغدادي معاصرا للحليمي، وقد مات في سنة واحدة![لست أدري لم التعجب] وكلام الباقلاني مختلف عن كلام الحليمي،فإننا لا نلتفت إلى مقالة الباقلاني [لم وما السبب؟] ولكننا ننظر إلى قول الحليمي باحترام و تقدير لما يحويه كلامه من الفهم و الإدراك الثاقب!".
قلت: فكلام الباقلاني مردود بدون سبب علمي، لأنه لا يعجب السقاف، و كلام الحليمي محترم لأنه يدل على الفهم و الإدراك عند السقاف!.
و عليه نفهم أن مجرد إعجاب السقاف برجل ما يدل على أن هذا الرجل يقول بالتعطيل الذي يسميه السقاف:( التنزيه)!.
و السقاف يربط دائما بين الأشعري و الباقلاني، قال {ص:17}:
" فنرى أن مذهب الأشعري و الباقلاني متقاربان".
2 ـ قال السقاف {ص:16}:
" وهناك منهج مثل البيهقي وبعض المحدثين"
قلت:في مقدمة تعليقه على كتاب الذهبي ( العلو)، وفي الفهرس بتراجم مذاهب الأئمة العقدية ،الذي عقده في آخره زعم أن البيهقي من أهل التأويل!.
وكذلك في شرحه على (الطحاوية)، وفي تعليقه على كتاب ابن الجوزي(دفع شبه التشبيه) عقد السقاف في المقدمة فصلا ينصح فيه بالكتب التي يمكن أخذ العقائد منها، وذكر منها كتاب( الأسماء و الصفات)، و ( الاعتقاد) للبيهقي.
ولكن لما جاء إلى كتاب ( الإبانة)، وهو أول كتب الأشاعرة و أول أصولها ،حط على البيهقي ، كما حط عليه في (الطحاوية) عندما أشار إلى تعقبه الطحاوي!.
قال السقاف في تعليقه على (الإبانة){ص:16 هامش}:
" كان البيهقي متابعا لإبانة الأشعري! فإنه من تأمل كلامه في (الاعتقاد) و (الهداية)، و قارنه مع نصوص (الإبانة) وجده متفقا، بل وجد العبارة أحيانا عبارة واحدة".
قلت: فإن كان البيهقي متبعا لإبانة الأشعري لهذا الحد، بحيث يذكر عبارات الأشعري نفسها، فلم جعلته مذهبا ثانيا عند الأشاعرة، يختلف عن مذهب الأشعري؟!
وقد ذكرالسقاف سبب تمعضه من مذهب البيهقي، ومن كان على طريقته من الأئمة، قد ذكرنا السبب الأول، وهو موافقته لعقيدة الأشعري في ( الإبانة) .
أما السبب الثاني فهو اتباع الحديث، أي: الاعتماد على النصوص في تقرير العقيدة، قال{ص:17}:
" وهناك طريقة البيهقي وابن فورك و نحوهما المتميزة بالاعتماد على الأحاديث مع اضطراب و تضارب في الأفكار"[8]
قال في { الهامش}:
" في مثل كتابه(الأسماء و الصفات)، و كتاب ( الاعتقاد) و (الهداية).
قلت: ألم يقل السقاف في تعليقه على (دفع شبه التشبيه) في فصل:" الكتب التي نحض على قراءتها و دراستها لفهم العقيدة" {ص:78}:
" لقد ألف العلماء ـ جزاهم الله عنا خيرا ـ كتبا كثيرة، ذكروا فيها الاعتقاد الصحيح، ودفعوا فيها، وردوا ما أثاره المشبهة و المجسمة و أشباههم من أمور باطلة .... ومن تلك الكتب:
1 ـ كتاب( الأسماء و الصفات) للإمام الحافظ البيهقي، و الذي علق عليه الإمام المحدث الكوثري رحمه الله تعالى تعليقات نفيسة و تقريرات جيدة[9].
10 ـ كتاب( الاعتقاد ) للإمام الحافظ البيهقي".
قلت:إلى من ينسب هذا الولد؟!
من جهة هي كتب مضطربة تعتمد الحديث، وأهل الحديث هم عنده مشبهة مجسمة، ومن جهة ينصح بقراءتها و دراستها لفهم العقيدة؟!
ويزيدنا السقاف توضيحا لسبب ذمه مذهب البيهقي و طريقته فيقول{ص:30}:
" و إتماما للفائدة نقول: بان الحافظ البيهقي نقل في كتاب(الأسماء و الصفات) عن الخطابي و شيوخه القول بالظاهر، وهو قول باطل مردود عندنا! حيث قال البيهقي في ( الأسماء و الصفات){ ص:345} عند ذكر حديث "يكشف ربنا عن ساقه" ما نصه:" قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله : هذا الحديث مما تهيّب القول فيه شيوخنا، فاجروه على ظاهر لفظه، ولم يكشفوا عن باطن معناه على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل ما لا يحيط العلم بكنهه من هذا الباب".
قلت: وبغض النظر عن هذه المسألة و تفاصيلها، فقد اشتطا السقاف غضبا من الخطابي و البيهقي و شيوخهما لأنهما حسب قوله :
" فهنا يلتقي الحنابلة المجسمة و ابن تيمية مع الأشعري و البيهقي و الخطابي و شيوخه الأشاعرة في حمل الأمور على ظاهرها ،و هذا ما يأباه أهل التنزيه و الحق!!"{ص:30}.
قلت:لا يُعجب السقاف موافقة الأشاعرة لأئمة السنة في الصفات، و يعد ذلك خرقا لما اشتهر عن بعض المتأخرين من الأشاعرة من موافقة المعتزلة، ومخالفة سلفهم، و الارتماء في أحضان الفلاسفة ،كما صرح بذلك ابن خلدون ـ الأشعري ـ في ( المقدمة)(ص:466):
" ولقد اختلطت الطريقتان عند هؤلاء المتأخرين، والتبست مسائل الكلام بمسائل الفلسفة، بحيث لا يتميز أحد الفنين من الآخر، ولا يحصل عليه طالبه من كتبهم، كما فعله البيضاوي في (الطوالع)، ومن جاء بعده من علماء العجم، في جميع تآليفهم، إلا أن هذه الطريقة قد يعنى بها بعض طلبة العلم للاطلاع على المذاهب، والإغراق في معرفة الحجاج لوفور ذلك فيها، وأما محاذاة طريقة السلف بعقائد علم الكلام فإنما هو للطريقة القديمة".
وقد ذم السنوسي كتب الرازي ـ كما هو مشهور عنه ـ لهذا السبب.
قال السقاف:
" فانظروا كيف يجري بعض أتباع الأشعري المتقدمين هذه النصوص على ظاهر ألفاظها ،و يصرحون بهذه القاعدة بكل وضوح!!
فما هو الفرق بين هذا، و بين ما يقوله ابن تيمية من إجراء تلك النصوص على ظاهرها !!
و أين من يتغنون بأمجاد الأشاعرة و أهل السنة؟! و الأشعري أثبت اليدين و العينين و الوجه و المجيء و النزول و أنه ساكن السماء".
قال{ص:31}:
" فظهر أن طريقة من يسميهم بعض الناس بالمجسمة أمثال ابن تيمية هي نفس طريقة بعض السلف و الأشعري و الخطابي و البيهقي لا فرق، مهما حاول المتعصبون أن يتمحلوا لإظهار فروق بين الفريقين، لأنها فروق خيالية يتوهمونها وهي لا ثمّ".
كون هؤلاء الأئمة الاشاعرة وافقوا ابن تيمية أو وافقهم ابن تيمية ـ لأنه متأخر عنهم ـ لا يهم، وليس هو المعتبر في تقييمهم ،إنما المعتبر أنهم وافقوا السلف الصالح، الذين كنا قد بينا سابقا أن طريقتهم هي الإثبات مع عدم التكييف، و ذم التأويل، بخلاف ما يزعمه عنهم بعض الناس.
قال ابن حجر في ( الفتح){390/13}:
" وقال البيهقي :ومنهم من قال العين صفة ذات كما تقدم في الوجه، ومنهم من قال : المراد بالعين الرؤية ...ومال إلى ترجيح الأول لأنه مذهب السلف".
3 ـ قال السقاف {ص:16}:
" وكذا منهج شيخه الحليمي المختلف عنه"
قلت: قال الذهبي في ( سير أعلام النبلاء){233/17}:
" للحافظ أبي بكر البيهقي اعتناء بكلام الحليمي، ولا سيما في كتاب: ( شعب الإيمان )".
قلت:وهذا يعني أنه لم يكن يخالفه ،وقد قال محقق ( السير):
" يكثر النقل فيه عن كتاب الحليمي الموسوم بـ (المنهاج)، وهو كتاب جليل في نحو ثلاث مجلدات، فيه أحكام كثيرة، ومسائل فقهية وغيرها، مما يتعلق بأصول الإيمان، وآيات الساعة، وأحوال القيامة.
انظر ( كشف الظنون ) 2 / ،1047 وانظر فيه من صنف في شعب الإيمان، وانظر النسخ الخطية لهذا الكتاب في ( تاريخ سزكين) 2 / 384.
4 ـ قال السقاف ـ نفس الصفحة ـ :
" وهناك منهج إمام الحرمين وهو يميل إلى التعقيد و الفلسفة و المنطق نوعا ما"
قلت:فأنت ترى كيف ذم هذا المذهب، ووصمه بالتعقيد و الفلسفة و المنطق، فأبعده بهذه الطريقة عن حظيرة المذاهب الإسلامية المعتمدة على النصوص، وهذا أعظم الطعن فيه،قال في{ص:16 هامش}:
و كتابه ( الرسالة النظامية) أجده غير صالح لأن يكون كتابا في العقائد و التوحيد، وما قاله فيه من الانكفاف عن التأويل و الأخذ بما عليه السلف غلط محض، وهو مردود لمخالفته الواقع".
فمن جهة يذم هذا الكتاب( النظامية)، ومن جهة أخرى يقر بأنه على مذهب السلف!
وقد بالغ التناقض بالسقاف حدا لم يدر ما يخرج من رأسه، قال {ص:17}:
" وهناك مذهب إمام الحرمين و الغزالي الذي لا يختلف عنهما ـ[يقصد مذهب الأشعري و الباقلاني ] و خاصة في مسألة التأويل و الكسب و الاختيار".
قلت: فنفهم أن مذهب الغزالي الذي مدحه قبل قليل، و مذهب الجويني مذمومان، كما ذم مذهب الأشعري و الباقلاني بسبب القرب بينهما، كما ذكر؟!
5 ـ قال ـ نفس الصفحة ـ ومذهب حجة الإسلام الغزالي وهو بنظري المؤسس الحقيقي لمذهب الأشاعرة المتأخرين، وهو المذهب الصريح في التنزيه ـ النسبي في مذهب أهل السنةـ و التأويل و البعيد عن مذهب الأشعري و الحنابلة".
6 ـ قال ـ نفس الصفحة ـ :" ثم بعده منهج الرازي"
قلت:و إن كان الرازي ـ بالنسبة للسقاف ـ اقرب الأشاعرة إلى المعتزلة، فإنه لم يقع عليه اختيار السقاف ليكون زعيم الأشاعرة، وصاحب مذهبهم، إما لأنه لا يميل للتصوف، و لا يقول برجال غيب ، و إما لأنه يعارض نظرية الأئمة الشيعية.
ومع ذلك لم يسلم هو الآخر من الوصم بالباطل و المحال، قال السقاف {ص:201}، وهو يلحد في قوله تعالى:{ أنزله بعلمه}" النساء":
"قال الإمام الرازي في" التفسير"{6/11/114}: قال أصحابنا: دلت الآية على أن لله تعالى علما، وذلك لأنها تدل على إثبات علم لله تعالى، ولو كان علمه نفس ذاته لزم إضافة الشيء إلى نفسه وهو محال".
قال السقاف: وعلى كل حال فهذا كلام باطل، وقوله فيه محال لا يصح، بل هو من أبطل الباطل!".
7 ـ قال ـ نفس الصفحة" " ثم مذهب السبكي، و الذي مشى عليه متاخروا الأشاعرة أمثال: صاحب (الجوهرة) و شراحها و كثير من أصحاب المتون الأخرى مثل (إضاءة الدجنة) و غيرها"
قلت:و إن كان السقاف كثير الاعتماد على كتب السبكي ـ لما بات معلوما لدى الخاص و العام ـ إلا أنه لم يستثنه من الذم بطريقته الخفية الملتوية، فقد نسب إليه كلاما في سياق إعادة الاعتبار للجهمية مفاده أن السبكي مقلد أعمى، يقلد بلا دليل، و يتبع بلا حجة ،وأنه يساير الحنابلة متأثرا بكلامهم!
قال السقاف{ص:43} ناقلا عن " طبقات السبكي"{91/1}:
" و أما جهم فلا ندري ما مذهبه، ونحن على قطع بأنه رجل مبتدع .....وما لنا و لجهم وهو عندنا من شر المبتدعة ".
قال السقاف:
" فكيف صار مبتدعا، وهم لا يعرفون عن مذهبه شيئا؟! وما حكموا عليه بالابتداع إلا تأثرا بكلام الحنابلة المشبهة!".
قلت:قضية جهم و الجعد بن درهم قام على إنكارها الشيعة وعلى رأسهم جعفر السبحاني، و السقاف، و ابن فرحان المالكي، فلم يقعدوا على شيء متين يحملهم.
و قد بينت شبههم التي نسجوها حول ثبوتها،وبددتها بالحجج الصحيحة في (تطهير الطحاوية من تمويهات السقاف البدعية) سنخرجه قريبا بعون الله و تأييده.
8 ـ قال السقاف {ص:16}:
" و بعده السنوسي الذي كان أصلا في تعقيد علم الكلام و القول بنظريات يتوهم القائل بها أنها أدلة عقلية مقطوعا بها أو تحقيقا دقيقا وهي ليست كذلك!!".
قلت: لا تعليق هنا، فكلام السقاف يكفي في بيان حال طريقة السنوسي عنده.

ـ قاموس السقاف في الطعن في الأشعري:

كما أن السقاف سيء الأدب مع أهل العلم ومع أتباعهم[10]،ومن عجيب وقاحته، وسماجة عقله وقوعه في الأشعري،فلقد أغرق تعليقاته على (الإبانة) بسيل من الشتائم تعافها النفوس السوية منها:
ـ إما أن المصنف يعرفه و أخفاه، و إما أنه يجهله و أحلاهما مر.{ص:299}
ـ لكن مكايدة المعتزلة و أتباع مدرسة آل البيت ومناحرتهم تجري في دمه و لحمه.{ص:297}.
ـ وهذا المصنف كذاب أشر.{ص:292}
ـ وهذا يدل على أنه مفلس من أساليب الاحتجاج، ويتهم الناس بما هم برءاء منه.{ص:292}
ـ من العجيب الغريب أن جهله مكعب و يصف الناس بالجهل.{ص:289}
ـ ما شاء الله أعجب من هذه التخريفات التي ليس لها خطام ولا زمام، يبني كلامه و عقيدته وحججه على خرافات و يصدقها،لأنها دالة على أن قائلها يصوغ الكلام بلا عقل.{ص:287}
ـ يا ليت المصنف كان يتقي الله و يفهم العربية ولا يغالط.{ص:271}
ـ أيها المصنف المفلس.{ص:267}
ـ إني أتصور أن هذا المصنف لم يكن عقله معه بل كان يحلم فهو يخرط الأقوال خرطا .{ص:263}
ـ مثل هذه العبارات يجب أن تشحن إلى مختبرات خاصة للتحليل... ربما نكتشف أنه أراد أن يثبت القدر بالضغط الأسموزي.{ص:253}
ـ كلام غير مترابط،وهذا مثل قول القائل الدليل على أن صلاة الظهر أربع ركعات قوله تعالى{ لم يلد ولم يولد}.{ص:233}
ـ ذكرني هذا المصنف بأدلة جحا و بالحمقى و المغفلين.{ص:233}
ـ وهذا الإيراد يدل على حمق المصنف.{ص:219}
ـ هناك احتمال ثالث وهو أنه كان غبيا.{ص:202}
قلت: هذا هو أدب من ينسب نفسه إلى النسب الشريف، و يدعي العلم مع من هو خير منه بآلاف المرات، لا يراعي حرمته ، ولا حرمة أتباعه، فإن الأشعري ـ رحمه الله ـ له أتباع كثر، و إذا قدر أن خالفه أحد في مسألة لا يعني أبدا استحقاقه لكل تلك الشتائم، فما بالك و المخطئ هو السقاف أخذ وثنية أرسطو و ابن سينا و أضاف إليها شيئا من حقد الشيعة الرافضة ، وزعم أن هذا هو دين محمد صلى الله عليه و سلم!

خلاصة اعتقاد السقاف في الأشعري و الأشعرية:

يعتقد السقاف أن الأشاعرة مضطربون في عقيدتهم لاضطراب أصولهم و مناهجهم ،و تناقض المتأخرين منهم مع أئمتهم المتقدمين، و أنهم عاجزون عن إيجاد جواب مريح ومقنع لهذا التضارب و الاضطراب قال {ص:45}:
" فإذا فهمنا ذلك تخلصنا من الحيرة و التردد الذي يعاني منه كثير من الأشاعرة و أهل السنة قاطبة! لا سيما و القوم يعانون من عدم القدرة على إيجاد جواب مريح و مقنع عن الإشكالية الفكرية العقائدية التي أحدثها الأشعري[11] من خلال كتاب( الإبانة) و (مقالات الإسلاميين) و ( رسالة أهل الثغر) ونحو هذه المؤلفات!
ففكر الأشعري في هذه الكتب فكر هزيل ضعيف عقلا و نقلا و قد لاحظنا أن الأشعري يأتي بكلام كثير غير منطقي، ولا معنى له، بل ركيك و متضارب ، و أن الحامل له على ذلك مجرد حب تغليط المعتزلة، و أشخاص كانوا يعيشون في عصره، ليبين أنهم مخطئون، ولو بباطل القول!
فهو يريد أن يخالف المعتزلة، و يعاندهم، و يكايدهم، ولو فيما كانوا فيه محقين و مصيبين، ولو بالباطل من القول!".

بيان ضلال المعتزلة و تناقضهم:

قلت: ما اتهم به السقاف من كون الأشعرية تضم مذاهبا عديدة مختلفة فيما بينها لو فرضنا صحته لما كان الأمر أكثر غرابة وقد فاقت المعتزلة جميع فرق المسلمين انقساما و تشتتا و تناقضا؛ و تضارب الأقوال فيها بلغ أشده، حتى كفر بعضهم بعضا، ورمى بعضهم بعضا بالطامات و الدواهي، و إليك موجز عن مذاهبهم وتراجم أئمتهم يبين أن الأمة قد أطبقت على ذمهم:

مقالات المعتزلة وتراجم أئمتها:

ـ يدافع السقاف عن بشرالمريسي لأنه معتزلي مثله، قال في( البرهان){ص:36}:
" كان يقرأ من اليهودية في (التوراة) ما يلبس به على المسلمين في القرآن، وكان يتفقه على مذهب أبي حنيفة و يذهب في الصفات مذهب جهم، غير أنه يخالفه بقوله الإيمان تصديق وقول بلا عمل، ويوافق المعتزلة في قولهم: أن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد، ويقول: إن القرآن مخلوق،" كان والده يهوديا قصابا صباغا".
ـ ومن المعتزلة الحسين بن محمد النجار يقول: إن القرآن مخلوق، و ينفي الصفات عن الله إلا الإرادة.
ـ أبو علي الجبائي كان يسمي الله مطيعا لعبده إذ فعل مراد العبد،ويزعم أن المعدوم شيء ثابت في العدم، قال البغدادي في( الفرق){ص:184}:
" كان من الفساق يشرب الخمر، و قيل مات في سكره"، ويقول : طامات كبيرة جدا.
ـ منهم ضرار بن عمرو الكوفي كان يقول: إنه من الممكن أن جميع أهل الأرض المظهرين للإسلام كفار في باطن أمرهم،لان ذلك جائز على كل واحد منهم،وهذه حجة النظام و الرافضة في نفي الإجماع،شهد عليه أحمد بخبث المقالات فهرب، و قال ابن حزم: كان ضرار ينكر عذاب القبر.
ـ ومنهم بشر بن المعتمر، و يكنى أبا سهل كان يقول: من سرق أحد عشر درهما فهو كافر خارج الإسلام مخلد في النيران إن لم يتب.
ـ ومنهم أبو الهذيل العلاف، له مصائب لم يقل بها أحد من أهل الإسلام( الفصل في الملل و النحل لابن حزم){215/4}، و قد كتب المردار من المعتزلة كتابا كبيرا فيه فضائح أبي الهذيل و تكفيره، وكذلك للجبائي كتاب مثله، ولجعفر بن حرب المعتزلي كتاب ( توبيخ أبي الهذيل).
ـ ومنهم إبراهيم بن سيار النظام[12] هو ابن أخت أبي الهذيل العلاف، و شيخ الجاحظ كان يقول : إن الله لا يقدر على ظلم البشر، ولا على شيء من الشر، و أن الناس يقدرون على ذلك ولو كان قادرا لم نأمن أن يفعله بنا، و أنه غير قادر على إخراج أحد من الجنة، ولا طرح آخر في النار، و أن خلقه يقدرون على ذلك.
ومن سرق مائتي درهم غير حبة فهو مؤمن، و ليس بفاسق، ولا يعذب، فإن سرق مائتي درهم فهو كافر خارج عن الإيمان مخلد في النار، و الطامات عنده كثيرة جدا.
ـ ومنهم أبو عثمان الجاحظ قال في ( الفرق){175}:
" و قد اغتر أتباعه بحسن بيانه، ولو عرفوا جهالاته في ضلالاته لاستغفروا الله تعالى من تسميتهم إياه إنسانا.
وقد علم اللصوص السرقة بكتابه ( حيل اللصوص)، وعلم الناس الغش بكتابه( غش الصناعات)، وفي كتابه( الفتيا) مشحون بالطعن في الصحابة، وله كتاب:(القحاب)،( الكلاب) و(اللاطة) و غيرها، ثم قال عبد القاهر البغدادي{ص:177}.
كان يزعم أن من يموت قبل البلوغ و المجانين لا يدخلون الجنة بل يصيرون ترابا.
قال الإسفرايني في( التبصير){ص:82}:
" قد ركب الجاحظ على قوله هذا قولا هو شر من هذا فقال: إن الله لا يدخل أحدا النار، و لكن النار بطبيعتها تجذب إلى نفسها أهلها، ثم تمسكهم في جوفها خالدا مخلدا".
ـ ومنهم هشام بن عمرو الفوطي ،قال في ( الفرق بين الفرق){ص:159}:
" اعتذر الخياط عن الفوطي بأن قال: إن هشاما كان يقول حسبنا الله ونعم المتوكل عليه ،بدلا من الوكيل، وزعم أن وكيلا يقتضي موكلا فوقه،وهذا من علامات جهل هشام، و المعتذر عنه بمعاني الأسماء في اللغة، و ذلك أن الوكيل في اللغة بمعنى الكافي".
ـ ومنهم محمد بن عبد الله الإسكافي، و عباد بن سليمان تلميذ الفوطي، كان يقول: لا يجوز أن يقال: إن الله تعالى خلق المؤمنين، و لا أنه خلق الكافرين، ولكن يقال: خلق الناس. ـ ومنهم يعمر البصري، كان يحرم القول بأن الله تعالى عالم بنفسه، و يقول : محال أن يعلم الله نفسه أو يجهلها، لأن العالم غير المعلوم!

بيان بذم أئمة السنة للمعتزلة:

روى البيهقي بسنده إلى شريك بن عبد الله في ( الأسماء و الصفات){482/2}أنه قال:
" موسى بن داود ، قال : قال لي عباد بن العوام : قدم علينا شريك بن عبد الله منذ نحو من خمسين سنة ، قال : فقلت له : يا أبا عبد الله ، إن عندنا قوما من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث؟
قال : فحدثني بنحو من عشرة أحاديث في هذا ، وقال : أما نحن فقد أخذنا ديننا هذا عن التابعين عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهم عمن أخذوا ؟"
ونقل البيهقي في( القضاء و القدر){12/2} عن عبد الرزاق أنه قال:
" قال لي إبراهيم بن أبي يحيى : إني أرى المعتزلة عندكم كثير قال : قلت : « نعم ، وهم يزعمون أنك منهم » قال : أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك ، قلت : « لا »، قال : لم ؟ قلت : « لأن القلب ضعيف ، وإن الدين ليس لمن غلب »".
وفي الكتاب نفسه تحت رقم{511}:
" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا يعلى حمزة بن محمد العلوي النهدي يقول : سمعت أبا القاسم عبد الرحمن بن محمد بن القاسم الحسني ، وما رأيت علويا أفضل منه زهدا وعبادة يقول : « المعتزلة قعدة الخوارج، عجزوا عن قتال الناس بالسيوف فقعدوا للناس يقاتلونهم بألسنتهم أو يجاهدونهم » أو كما قال".
وفي ( مجالس العشرة) لحسن الخلال تحت رقم{11}:
" حدثنا الحسن، ثنا أبو عمر بن حيوية الخراز ، حدثنا أبو حامد الحضرمي إملاء ، ثنا علي بن مسلم الطوسي ، ثنا زافر بن سليمان ، ثنا عبد الله بن المبارك ، عن عبد الله بن مسلم ، عن يبرع ، رجل من أهل مرو قال : كنت أجالس ابن سيرين فتركت مجالسته وجلست إلى المعتزلة فرأيت في المنام أني مع قوم يحملون جنازة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال مالك : « أتدري من جالست ؟ إنك مع قوم يدفنون ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم »"
وفي ( بيان العلم و فضله) لابن عبد البر{رقم:1101}:
" حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، ثنا قاسم بن أصبغ ، ثنا أحمد بن زهير ، قال : سمعت مصعب بن عبد الله الزبيري يقول : كان مالك بن أنس يقول : « الكلام في الدين أكرهه، وكان أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك ، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل.
فأما الكلام في الدين، وفي الله عز وجل فالسكوت أحب إلي ؛ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا ما تحته عمل ».
قال أبو عمر : « قد بين مالك ـ رحمه الله ـ أن الكلام فيما تحته عمل هو المباح عنده، وعند أهل بلده، يعني العلماء منهم رضي الله عنهم ، وأخبر أن الكلام في الدين نحو القول في صفات الله وأسمائه، وضرب مثلا فقال : نحو رأي جهم ، والقدر.
والذي قاله مالك عليه جماعة الفقهاء والعلماء قديما وحديثا من أهل الحديث والفتوى ، وإنما خالف ذلك أهل البدع المعتزلة وسائر الفرق ، وأما الجماعة على ما قال مالك إلا أن يضطر أحد إلى الكلام فلا يسعه السكوت إذا طمع برد الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه أو خشي ضلال عامة أو نحو هذا.
قال ابن عيينة : سمعت من جابر الجعفي كلاما خشيت أن يقع علي وعليه البيت".
وقال : يونس بن عبد الأعلى : سمعت الشافعي ، يوم ناظره حفص الفرد قال لي : « يا أبا موسى لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الكلام » لقد سمعت من حفص كلاما لا أقدر أن أحكيه"
وفيه أيضا {رقم:1110}:
" حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن ثنا إبراهيم بن بكر ، قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن إسحاق بن خواز منداد المصري المالكي في كتاب الإجارات من كتابه في الخلاف قال مالك : « لا تجوز الإجارة في شيء من كتب أهل الأهواء والبدع والتنجيم ، وذكر كتبا ثم قال : وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم ، وتفسخ الإجارة في ذلك ، وكذلك كتب القضاء بالنجوم وعزائم الجن وما أشبه ذلك »".
قال البخاري في(خلق أفعال العباد){130/1}:
" قال أبو عبد الله : « فالمقروء هو كلام الرب الذي قال لموسى : ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني (2) ) ، إلا المعتزلة فإنهم ادعوا أن فعل الله مخلوق ، وأن أفعال العباد غير مخلوقة ،وهذا خلاف علم المسلمين إلا من تعلق من البصريين بكلام سنسويه ، كان مجوسيا فادعى الإسلام ، فقال الحسن : أهلكتهم العجمة »
قال الخطيب البغدادي في (شرف أصحاب الحديث){10/1}:
" - أنبأنا محمد بن أحمد بن رزق البزاز ، قال : أخبرنا محمد بن العباس العصمي ، قال : حدثنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن يونس الهروي الحافظ ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي ، قال : قال علي بن المديني في حديث النبي صلى الله عليه وسلم « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم » : « هم أهل الحديث ، والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ، ويذبون عن العلم . لولاهم ، لم تجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي شيئا من السنن »
قال أبو بكر : فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين ، وصرف عنهم كيد المعاندين ؛ لتمسكهم بالشرع المتين ، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين . فشأنهم حفظ الآثار وقطع المفاوز والقفار ، وركوب البراري والبحار في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى ، لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى . قبلوا شريعته قولا وفعلا ، وحرسوا سنته حفظا ونقلا حتى ثبتوا بذلك أصلها ، وكانوا أحق بها وأهلها . وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها . والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها . فهم الحفاظ لأركانها والقوامون بأمرها وشأنها . إذا صدف عن الدفاع عنها، فهم دونها يناضلون ، (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) "
وقال تحت رقم{104}:
" أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي ، قال : سمعت أبا سعد الإستراباذي ، يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن يحيى المذكر النيسابوري ، بأسترآباذ ، يقول : سمعت عبد العزيز الخفاف ، بمكة ، يقول : سمعت إبراهيم بن موسى البصري ، يقول سمعت أبا عبد الله محمد بن العباس المصري يقول : سمعت هارون الرشيد ، يقول :
« طلبت أربعة فوجدتها في أربعة : طلبت الكفر فوجدته في الجهمية ، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة ، وطلبت الكذب فوجدته عند الرافضة ، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث »".
ـ و قد ذم القرطبي ـ وهو من فضلاء الأشاعرة ـ في تفسيره المعتزلة في عدة مواضع{50/2}منها قوله:
" أنكر معظم المعتزلة الشياطين والجن، ودل إنكارهم على قلة مبالاتهم وركاكة دياناتهم، وليس في إثباتهم مستحيل عقلي".
وقال{141/7}:
" وسئل سهل بن عبد الله عن الصلاة خلف المعتزلة والنكاح منهم وتزوجهم؟
فقال: لا، ولا كرامة ! هم كفار، كيف يؤمن من يقول: القرآن مخلوق، ولا جنة مخلوقة، ولا نار مخلوقة، ولا لله صراط، ولا شفاعة، ولا أحد من المؤمنين يدخل النار، ولا يخرج من النار من مذنبي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عذاب القبر، ولا منكر، ولا نكير، ولا رؤية لربنا في الآخرة، ولا زيادة، وأن علم الله مخلوق، ولا يرون السلطان، ولا جمعة، ويكفرون من يؤمن بهذا."
وقال:" وعلى الجملة فإن الرؤيا الصادقة من الله، وأنها من النبوة، قال صلى الله عليه وسلم: ( الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان ) وأن التصديق بها حق، ولها التأويل الحسن، وربما أغنى بعضها عن التأويل، وفيها من بديع الله ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه، ولا خلاف في هذا بين أهل الدين والحق من أهل الرأى والأثر، ولا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد وشر ذمة من المعتزلة."{124/9}.
قال أبو حيان في( تفسير البحر المحيط){151/1}:
" والقدرية المعتزلة والنجارية والجهمية وبعض الرافضة نفوا الصفات التي أثبتها أهل السنة".
وقال{329/1}:" قال الماتريدي : إن قوم موسى ، مع غلظ أفهامهم وقلة عقولهم ، كانوا أعرف بالله وأكمل توحيداً من المعتزلة ، لأنهم قالوا : { وإنا إن شاء الله لمهتدون } ، والمعتزلة يقولون : قد شاء الله أن يهتدوا".
وقال{293/3}:" قال أبو بكر الرازي : هذه الآية فيها دلالة على أن المعاصي ليست من عند الله، ولا من فعله ، لأنها لو كانت من فعله كانت من عنده ، وقد نفى الله تعالى نفياً عامّاً لكون المعاصي من عنده . انتهى . وهذا مذهب المعتزلة ، وكان الرازي يجنح إلى مذهبهم ."
وقال{491/4}:" قال الزمخشري : الغلو في الدين غلوان : غلو حق ، وهو أن يفحص عن حقائقه، ويفتش عن أباعد معانيه، ويجتهد في تحصيل حججه كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد ، وغلو باطل، وهو أن يجاوز الحق ويتعداه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه كما يفعل أهل الأهواء والبدع انتهى ، وأهل العدل والتوحيد هم أئمة المعتزلة ، وأهل الأهواء والبدع عنده هم أهل السنة ، ومن عدا المعتزلة".
قال الشوكاني في (فتح القدير){103/1}:
" وقد تواترت الأحاديث الصحيحة بأن العباد يرون ربهم في الآخرة ، وهي قطعية الدلالة ، لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة ، وزعموا أن العقل قد حكم بها ، دعوى مبنية على شفا جُرُف هار ، وقواعد لا يغترّ بها إلا من لم يحظ من العلم النافع بنصيب"
ختاما أقول:
إذا تبين أن السقاف من أشد المعتزلة المعاصرين تمسكا بعقائد المعتزلة الباطلة، إضافة إلى كونه من الرافضة الجدد، ممن يذمون الصحابة الخلفاء ـ رضوان الله عنهم ـ و ينتقدون خلافتهم مع إظهار الترضي عنهم، و قبول خلافتهم من باب حصول الأمر، و قيام الضرورة، وعدم شق عصا المسلمين في ذلك الوقت.
وجب على من يعتد بعقيدته و دينه، و يفتخر بسنيته، ودفاعه عن عقيدة السلف الصالح ـ كما كان الجهابذة من أئمة الأشاعرة يفعلون ـ من الاشاعرة المعاصرين أن يجتنب الاستشهاد بهذا الرجل، و نشر فكره بين المسلمين.
كما يجب عليه أن يعرف حقيقة كل من يمدح السقاف سرا أو علنا في الأوساط الأشعرية ـ فإنه إما على مذهبه في الاعتزال و الرفض، و إما غفل غفلة كبيرة بحيث استوعبه السقاف بشبهاته ،و استخف بعقله ـ و ينهاه عن ذلك ،و يبين له حقيقة موقف السقاف من الأشعريين نصحا للأمة، و دفاعا عن الدين.
وبهذا تعرف الأسباب الحقيقية التي تقف خلف طعون السقاف في كبار أئمة الأشعرية، فإنه قد اغتر بعضهم بمديحه لهم في بعض المواطن ،وظنوا أنهم سلموا منه مادام يهاجم ابن تيمية، ولم يدروا أنهم عنده حيارى تائهين، ومن أشد الناصبة على آل البيت، لأن أئمتهم نسفوا خرافات الرافضة في الإمامة و العصمة.
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين.

[1] ـ قلت: هذه الكلمة من السبكي غير مقبولة لم يقلها مدحا للمغاربة ولكن في سياق الذم لهم، محاولا اتهام المازري بالتعصب على الأشعري ، على حساب الحقائق العلمية، لأنه ـ رحمه الله ـ أشار إلى طامة في عقيدة أبي المعالي، موجودة في كتبه، و نقلها عنه أخص تلامذته، هي مسألة: (استرسال علم الله تعالى على الموجودات)، ولكن تعصب السبكي لإمام الحرمين أنساه ذلك، فحاول أن يجعل الخلاف بين المازري و الجويني قضية تعصب لا غير!
وقد ذكر شيئا من هذا التعصب ـ الذي كنت قد بينته بالتفصيل، و بأمثلة كثيرة في كتابي " الأصول العلمية و الأحوال الصوفية لأبي حامد الغزالي" ـ محمد بن محمد الراعي في كتابه " انتصار الفقير السالك لترجيح مذهب الإمام مالك"{ص:299} حينما قال:
" ومن تعصبات الشافعية ما وقع لتاج الدين عبد الوهاب السبكي في طبقاته الصغرى، حيث قال:" و أما أهل اليمن فنظر الله تعالى إليهم بعين العناية، حيث لم يجعل منهم مالكيا و حنفيا، و إنما كلهم مقلدون لمذهب الشافعي".
أي أن من عناية الله بهم أن لا يكونوا مالكية أو حنفية، فهل بعد هذا التعصب المقيت حد يبقي الإنصاف و الاعتدال؟!
[2] ـ قال في {ص:8}:"المصنف نفسه الأشعري يقول بذلك الكلام المردود الدال على الميل إلى عقيدة التشبيه و التجسيم أعاذنا الله تعالى منها .....وهذا كله يثبت عنده أن الإبانة من تصنيف الأشعري، ولكن فيها ما يحير عقولهم، و تأباه قلوب أهل التنزيه".
[3] ـ قال فيه الشيخ مصطفى صبري الأشعري آخرا الماتريدي منشأ في كتابه( موقف العقل و العلم){392/3} كما نقله السقاف:
" و الآن أجده قدريا صريحا، و قد سمعته يقول: إن مذهب المعتزلة القدرية الذي انقرض رجاله، ما زال يعيش في هذه المسألة تحت اسم الماتريدية، وفي بعض البلاد باسم الشيعة الإمامية، فكنت أفهم منه أنه يفضل ما في الاعتزال من التفويض الخالص على اضطراب الماتريدين و أشباههم من الباحثين عن أمر بين أمرين، فهو معتزلي أي قدري قائل باستقلال العباد في أفعالهم الاختيارية في حين أني أشعري قائل بالجبر المتوسط أي الجبر في أفعالهم بواسطة الجبر في إرادتهم".
[4] ـ قال الذهبي عن الأشعري في : ( تاريخ الإسلام ){464/5}:
" قال ابن عساكر: قرأت بخط علي بن نقا المصري المحدث في الرسالة كتب بها أبو محمد بن أبي يزيد القيرواني المالكي جواباً لعلي بن أحمد بن إسماعيل البغدادي المعتزلي حين ذكر الأشعري ونسبه إلى ما هو من بريء.
فقال ابن أبي يزيد في حق الأشعري: هو رجل مشهور إنه يرد على أهل البدع وعلى القدرية والجهمية. متمسك بالسنن"
وفيه أيضا:" من نظر في هذه الكتب عرف محله، ومن أراد أن يتبحر في معرفة الأشعري، فليطالع كتاب تبيين كذب المفتري..".
وقال في "السير"{88/15}:"وكان عجبا في الذكاء، وقوة الفهم.
ولما برع في معرفة الاعتزال، كرهه وتبرأ منه، وصعد للناس، فتاب إلى الله تعالى منه، ثم أخذ يرد على المعتزلة، ويهتك عوارهم.
قال الفقيه أبو بكر الصيرفي: كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم، حتى نشأ الأشعري فحجرهم في أقماع السمسم.
وعن ابن الباقلاني قال: أفضل أحوالي أن أفهم كلام الأشعري.
قلت: رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات، وقال فيها: تمر كما جاءت، ثم قال: وبذلك أقول، وبه أدين، ولا تؤول.
ولأبي الحسن ذكاء مفرط، وتبحر في العلم، وله أشياء حسنة، وتصانيف جمة تقضي له بسعة العلم".
[5] ـ ردد السقاف هذه الشبهة مرة أخرى في {ص:39} عندما قال:" بعض الجهات و السياسات الغابرة أعطت الأشعري منزلة فوق حجمه بكثير بكرات ومرات!!".
[6] ـ لم يسلم من لسان السقاف حتى من سبق لهم أن مدحهم مثل عبد القاهر البغدادي، فقد نصح في تعليقه على(دفع شبه التشبيه){ص:79} بقراءة كتبه لتعلم العقيدة الصحيحة، وحط عليه في (الإبانة){ص:42} قائلا:
" و لذا فإن من الخطير جدا أن نذم المخالفين وعلى رأسهم المعتزلة اعتمادا على ترهات الشيخ عبد القاهر ومن يقول بقوله، ويبهتهم بما هم برءاء منه!!".
فلست أدري على أي قدميه يقف السقاف؟!
[7] ـ قلت: هذا غير صحيح بالمرة، ولا يستطيع السقاف ومن يتبعه أن يأتي بنص واحد عن شيخ الإسلام فيه هذه الفرية،وفرق بين أن ينقل مذاهب الناس و مقالاتهم، و بين أن ينصرها على أنها الحق القويم.
وقد كنت أجبت السقاف عن هذه الفرية في كتابي ( تطهير الطحاوية من تمويهات السقاف البدعية ) يسر الله إتمامه، ولكن لا بأس بان أختصر الجواب هنا فأقول:
هذه المسألة معروف عن كثير من السلف أنهم لم يطعنوا فيها،وهذا لا يعني أنهم يثبتون حديث مجاهد،فإن العقائد لا تثبت بأقوال التابعين، بل بالكتاب و السنة، يدلك على هذا الأمر ما قرره عالمان سنيان كبيران هما الطبري و ابن تيمية ـ رحمهما الله .
قال الطبري في( تفسيره){531/7}:
" وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يُقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك."
أما ابن تيمية الذي نسب له السقاف هذا القول، و شنع عليه به، فإنه قال في(الدرء){215/3}:
" قد صنف القاضي أبو يعلى كتابه في إبطال التأويل ردا لكتاب ابن فورك، وهو وإن كان أسند الأحاديث التي ذكرها، وذكر من رواها، ففيها عدة أحاديث موضوعة، كحديث الرؤية عيانا ليلة المعراج ونحوه وفيها أشياء عن بعض السلف، رواها بعض الناس مرفوعة كحديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة وهي كلها موضوعة، وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه، ويتلقونه بالقبول.
وقد يقال : إن مثل هذا لا يقال إلا توفيقا، لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول، وما ثبت من كلام غيره، سواء كان من المقبول أو المردود.
ولهذا وغيره تكلم رزق الله التميمي وغيره من أصحاب أحمد في تصنيف القاضي أبي يعلى لهذا الكتاب بكلام غليظ، وشنع عليه أعداؤه بأشياء هو منها بريء، كما ذكر هو ذلك في آخر الكتاب.
وما نقله عنه أبو بكر بن العربي في (العواصم) كذب عليه عن مجهول لم يذكره أبو بكر، وهو من الكذب عليه مع أن هؤلاء - وإن كانوا نقلوا عنه ما هو كذب عليه، ففي كلامه ما هو مردود نقلا وتوجيها، وفي كلامه من التناقض من جنس ما يوجد في كلام الأشعري، والقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي المعالي وأمثالهم، ممن يوافق النفاة على نفيهم ويشارك أهل الإثبات على وجه يقول الجمهور : إنه جمع بين النقيضين
ويقال : إن أبا جعفر السمناني شيخ أبي الوليد الباجي قاضي الموصل كان يقول عليه ما لم يقله : ويقال عن السمناني إنه كان مسمحا في حكمه وقوله.
والمقصود هنا أن ما لم يكن ثابتا عن الرسول لا نحتاج أن ندخله في هذا الباب سواء احتيج إلى تأويل أو لم يحتج".
فهذا رأي ابن تيمية أن هذه المسألة و إن كان تلقاها أئمة السلف و السنة بالقبول وعدم الإنكار، فإنها لا تثبت بنص صحيح، و أنها من أقوال مجاهد.
ومعلوم أن من الأئمة من يجعل هذا في حكم المرفوع إذا ورد عن تابعي كبير مشهور بالعلم و المعرفة و التقوى و التحري، فإن المظنون به أن لا يقول مثل هذا اجتهادا ،وهذا ما يستخلص من كلام الطبري المنقول أولا.
و إن كان فيهم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية من يرى أن العقائد لا تثبت إلا بالنص الصحيح، وعلى هذا الاعتقاد كان الترمذي، و مثله الشيخ الألباني.
و إن كان لابن تيمية تفصيل أوسع من هذا، بحيث يفرق بين الكلام عن الألفاظ المنقولة عن النبي صلى الله عليه و سلم ولوازم النصوص،و مقابلات المعاني مع بعضها البعض.
قال الألباني ـ رحمه الله ـ في (مختصر العلو){ص:14}:
" لو أن المؤلف رحمه الله وقف عند ما ذكرنا لأحسن، ولكنه لم يقنع بذلك، بل سود أكثر من صفحة كبيرة في نقل أقوال من أفتى بالتسليم بأثر مجاهد في تفسير قوله تعالى : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال : يجلسه أو يقعده على العرش . بل قال بعضهم : ( أنا منكر على كل من رد هذا الحديث، وهو عندي رجل سوء متهم )
بل ذكر عن الإمام أحمد أنه قال : هذا تلقته العلماء بقبول إلى غير ذلك من الأقوال التي تراها في الأصل، ولا حاجة بنا إلى استيعابها في هذه المقدمة .
وذكر في ( مختصره ) المسمى ب ( الذهبية ) أسماء جمع آخرين من المحدثين سلموا بهذا الأثر، ولم يتعقبهم بشيء هناك .
وأما هنا فموقفه مضطرب أشد الاضطراب، فبينما تراه يقول في آخر ترجمة محمد بن مصعب العابد عقب قول من تلك الأقوال ( ص 126 ) :
( فأبصر - حفظك الله من الهوى - كيف آل الفكر بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر . . . )
فأنت إذا أمعنت النظر في قوله هذا ظننت أنه ينكر هذا الأثر، ولا يعتقده ويلزمه ذلك، ولا يتردد فيه، ولكنك ستفاجأ بقوله ( ص 143 ) بعد أن أشار إلى هذا الأثر عقب ترجمة حرب الكرماني :
( وغضب العلماء لإنكار هذه المنقبة العظيمة التي انفرد بها سيد البشر ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف . . . )
ثم ذكر أشخاصا آخرين ممن سلموا بهذا الأثر غير من تقدم، فإذا أنت فرغت من قراءة هذا قلت : لقد رجع الشيخ من إنكاره إلى التسليم به لأنه قال : إنه لا يقال إلا بتوقيف، ولكن سرعان ما تراه يستدرك على ذلك بقوله بعد سطور :
( ولكن ثبت في ( الصحاح ) أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم )
قلت : وهذا هو الحق في تفسير المقام المحمود دون شك، ولا ريب للأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى، وهو الذي صححه الإمام ابن جرير في ( تفسيره ) ( 15 / 99 ) ثم القرطبي ( 10 / 309 ) وهو الذي لم يذكر الحافظ ابن كثير غيره، وساق الأحاديث المشار إليها ، بل هو الثابت عند مجاهد نفسه من طريقين عنه عند ابن جرير . وذاك الأثر عنه ليس له طريق معتبر، فقد ذكر المؤلف ( ص 125 ) أنه روي عن ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب، وأبي يحيى القتات وجابر بن يزيد ) .
قلت : والأولان مختلطان، والآخران ضعيفان، بل الأخير متروك متهم
ولست أدري ما الذي منع المصنف - عفا الله عنه - من الاستقرار على هذا القول، وعلى جزمه بأن هذا الأثر منكر، كما تقدم عنه، فإنه يتضمن نسبة القعود على العرش لله عز وجل، وهذا يسلتزم نسبة الاستقرار عليه الله تعالى ،وهذا مما لم يرد، فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز وجل"انتهى كلام الألباني.
قلت: تحقيق الشيخ الألباني جيد، و إن كان السلف الذين أثبتوا هذه الفضيلة بنوه على أن مثل هذه المسائل لا تقال بالاجتهاد ـ كما نقل الألباني عن الذهبي في هذا النص.
كما يظهر الاضطراب في هذه المسألة، خاصة و أنها لا تتعلق بصفات الله، بل بفضيلة للنبي صلى الله عليه و سل،م فلا ترجع إلى الأصول التي بنى عليها السلف الصالح مسألة الصفات.
قلت: أهل السنة لا يقرون بعضهم بعض على الخطأ، و قد بينا لك من خلال هذه النقول عن ابن تيمية و الألباني مدى الروح العلمية التي يتمتعون بها، و الاعتماد على الكتاب و السنة، فلا يأنفون من الرد على بعضهم البعض إيثارا للحق، بخلاف من يزين مذهب أئمته ولو كان باطلا من القول، غارقا في الزيغ و الانحراف.
ذكرت هذه المسألة بشيء من التفصيل لأن أحد الإخوة كان قد أشار إليها في تعليقه على مقال لي.
[8] ـ قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء"{163/18}:"هو الحافظ العلامة، الثبت، الفقيه، شيخ الإسلام...."
[9] ـ قلت: التعليق على كتاب ما لا يعني أن المعلق يوافق صاحب المتن، فيمكن لأي مسلم أن يعلق على كتب اليهود و النصارى ينسخ كل ما في متونها،وهذا صنيع الكوثري نسخ و أبطل ما قرره البيهقي بتعليقاته فلاحظ الفرق.
[10] ـ وهو فاحش اللسان إلى درجة لا تحتملها نفس من شم للعلم رائحة يقول عن أبي إسماعيل الأنصاري :"المجسم الخبيث ،،، وهو ضال مارق"{ص:83}.
[11] ـ قلت: بالنسبة للسقاف الحيرة هي الطابع العام للمذهب الأشعري يقول في تعليقه على (الإبانة){ص:167} عن البيهقي :
" الرجل منزه ولكنه حائر، و ليست لديه أجوبة قاطعة أو باتة للنصوص التي يوهم ظاهرها التشبيه و التجسيم وصفات المحدثات، فليس هناك مذهب واضح المعالم.... فأسلوبه و أسلوب أمثاله هو الذي أوجد التميع و الحيرة في الفكر الأشعري".
[12] ـ قال ابن حجر في ( لسان الميزان){28/1}:
" إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام أبو إسحاق البصري مولى بني بحير بن الحارث بن عباد الضبعي من رؤوس المعتزلة، متهم بالزندقة، وكان شاعراً أديباً بليغاً، وله كتب كثيرة في الاعتزال والفلسفة، ذكرها النديم قال ابن قتيبة في (اختلاف الحديث) له: كان شاطرا من الشطار، مشهوراً بالفسق، ثم ذكر من مفرداته أنه كان يزعم أن الله يحدث الدنيا وما فيها في كل حين من غير أن يفنيها، وجوز أن يجتمع المسلمون على الخطأ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختص بأنه بعث إلى الناس كافة، بل كل نبي قبله بعثته كانت إلى جميع الخلق، لأن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم تبلغ آفاق الأرض، فيجب على كل من سمعها تصديقه واتباعه، وأن جميع كتابات الطلاق لا يقع بها طلاق، سواء نوى أو لم ينو، وأن النوم لا ينقض الوضوء، وأن السبب في أطباق الناس على وجوب الوضوء على النائم وأن العادة جرت أن نائم الليل إذا قام بادر إلى التخلي، وربما كان لعينيه نهض، فلما رأوا أوائلهم إذا انتبهوا توضئوا ظنوا أن ذلك لأجل النوم، وعاب على أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود الفتوى بالرأي، مع ثبوت النقل عنهم في ذم القول بالرأي.
وقال عبد الجبار المعتزلي في (طبقات المعتزلة): كان أمياً لا يكتب وقال أبو العباس بن العاص في كتاب (الانتصار): كان أشد الناس إزراء على أهل الحديث، وهو القائل:
زوامل الأسفار لا علم عندهم بما يحتوي إلا كعلم الأباعر
مات في خلافة المعتصم سنة إحدى وثلاثين ومائتين."
ثم يزعم السقاف أن المعتزلة تأخذ بالأحاديث الصحيحة، وهذا الداء( الطعن في أهل الحديث) قد عرفت من أين أخذه السقاف.

أرشيف المدونة الإلكترونية